في أعيان هذه الحروف لا يتناهى فلذلك لا تنفذ كلمات الله فصور الكلمات تحدث أي تظهر دائما فالوجود والإيجاد لا يزال دائما فاعلم أيها المركب من أنت وبما ذا تركبت وكيف لم تظهر لعينك في بسائطك وظهرت لعينك في تركيبك وما طرأ أمر وجودي إلا نسبة تركيب تحكم عليه بأمر لم تكن تحكم به قبل التركيب فافهم أنشأ صورة كن من النفس ثم الكائنات عن كن فما أظهرت إلا كلمات كلها عن كن وهي لفظة أمر وجودي فما ظهر عنها إلا ما يناسبها من حروف مركبة تجتمع مع كن في كونها كلمة فما أمره يعني إلا واحدة وهي قوله كن قال تعالى وما أمرنا إلا واحدة وقال إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ذلك الشئ في عينه فيتصف ذلك المكون بالوجود بعد ما كان يوصف بأنه غير موجود إلا أنه ثابت مدرج في النفس غير موجود الحرفية فالمنازلة الأصلية تحدث الأكوان وتظهر صور الممكنات في الأعيان فمن علم ما قلناه علم العالم ما هو ومن هو فسبحان من أخفى هذه الأسرار في ظهورها وأظهرها في خفائها فهي الظاهرة الباطنة والأولى والآخرة لقوم يعقلون والعين واحدة والحكم للنسب * والعين ظاهرة والكون للسبب قال تعالى وما رميت فنفي إذ رميت فأثبت عين ما نفى ولكن الله رمى فنفى عين ما أثبته فصار إثبات الرمي وسطا بين طرفي نفي فالنفي الأول عين النفي الآخر فمن المحال أن يثبت عين الوسط بين النفيين لأنه محصور فيحكم عليه الحصر ولا سيما والنفي الآخر قد زاد على النفي الأول بإثبات الرمي له لا للوسط فثبت الرمي في الشهود الحسي لمحمد ص بثبوت محمد ص في كلمة الحق فكما هو رام لا رام كذلك هو في الكلمة الإلهية محمد لا محمد إذ لو كان محمدا كما تشهد صورته لكان راميا كما يشهد رميه فلما نفى الرمي عنه الخبر الإلهي انتفى عينه إذ لا فرق بين عينه ورميه وهكذا فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وهذه هي البصيرة التي كان عليها الدعاة إلى الله يعلمون من يدعو إلى الله ومن يدعي إلى الله فالإدراك واحد فإذا أدرك به الأمر على ما هو عليه سمي بصيرة لأنه علم محقق وإذا أدرك به عين نسبة ما ظهر في الحس سمي بصرا فاختلفت الألقاب عليه باختلاف الموطن كما اختلف حكم عين الأداة وإن كانت بصورة واحدة حيث كانت تختلف باختلاف المواطن مثل أداة لفظة ما لا شك أنها عين واحدة ففي موطن تكون نافية مثل قوله وما يعلم تأويله إلا الله وفي موطن تكون تعجبا مثل قوله فما أصبرهم على النار وفي موطن تكون مهيئة مثل قوله ربما يود الذين كفر وأو في موطن تكون اسما مثل قوله إلا ما أمرتني به إلى أمثال هذا وقد تكون مصدرية وتأتي للاستفهام وتأتي زائدة وغير ذلك من مواطنها فهذه عين واحدة حكمت عليها المواطن بأحكام مختلفة كذلك صور التجلي بمنزلة الأحكام لمن يعقل ما يرى فأبان الله لنا فيما ذكره في هذه الآية أن الذي كنا نظنه حقيقة محسوسة إنما هي متخيلة يراها رأى العين والأمر في نفسه على خلاف ما تشهده العين وهذا سار في جميع القوي الجسمانية والروحانية فالعالم كله في صور مثل منصوبة فالحضرة الوجودية إنما هي حضرة الخيال ثم تقسم ما تراه من الصور إلى محسوس ومتخيل والكل متخيل وهذا لا قائل به إلا من أشهد هذا المشهد فالفيلسوف يرمي به وأصحاب أدلة العقول كلهم يرمون به وأهل الظاهر لا يقولون به نعم ولا بالمعاني التي جاءت له هذه الصور ولا يقرب من هذا المشهد إلا السوفسطائية غير أن الفرق بيننا وبينهم إنهم يقولون إن هذا كله لا حقيقة له ونحن لا نقول بذلك بل نقول إنه حقيقة ففارقنا جميع الطوائف ووافقنا الله ورسوله بما أعلمناه مما هو وراء ما أشهدناه فعلمنا ما نشهد والشهود عناية من الله أعطاها إيانا نور الايمان الذي أنار الله به بصائرنا ومن علم ما قررناه علم علم الأرض المخلوقة من بقية خميرة طينة آدم ع وعلم إن العالم بأسره لا بل الموجودات هم عمار تلك الأرض وما خلص منها إلا الحق تعالى خالقها ومنشئها من حيث هويته إذ كان له الوجود ولا هي ولولا ما هو الأمر على ما ذكرناه ما صحت المنازلة بيننا وبين الحق ولا صح نزول الحق إلى السماء الدنيا ولا الاستواء على العرش ولا العماء الذي كان فيه ربنا قبل إن يخلق خلقه فلو لا حكم الاسم الظاهر ما بدت هذه الحضرة ولا ظهر هذا العالم بالصورة ولولا الاسم الباطن ما عرفنا إن الرامي هو الله في صورة محمدية فما فوق ذلك من الصور فقال وما كان لبشر إن يكلمه الله وهو بشر إلا وحيا مثل قوله ولكن
(٥٢٥)