الممنوع منه أن ذلك لإهانته على من بيده إعطاء ما سأل فيه وليس كذلك فيفتح الله إن شاء عين بصيرته ويرزقه الكشف على نفسه وعلى حقيقة ما طلب ويريه الحق في ذلك الكشف أن الذي طلبه ما هو بذلك ويعرف شرف نفسه عن إن يتصف بالافتقار إلى الله في طلب مثل هذا فيعلم إن الله ما منعه لإهانته عليه وإنما منعه لاستهانة ذلك المطلوب بالنسبة إليه فيشكر الله على منع ذلك هذا وجه من وجوه قوله من استهين منع والوجه الآخر أن يطلب الطالب فوق قدره حتى لو أعطيه ما قبله لأنه يضعف عن حمله فيمنع لإهانته بالنسبة إلى ما طلبه وهو عكس الأول فيكون منع الله إياه رحمة به مثل قوله ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض لأنهم يضعفون عن القيام بما يستحقه بسط الرزق من الشكر وليس في وقته إلا البغي به والكفر والأشر والبطر ويظهر ذلك في أرباب المناصب في الدنيا فإذا رأيت صاحب المنصب يحكم عليه المنصب فتعلم أنه دون المنصب وأنه مهان بصرفه المنصب بعزته كيف يشاء فلا يزال مذموما بكل لسان من الحق ومن الخلق وإذا رأيت صاحب المنصب يصرف المنصب ويحكم على المنصب فتعلم أنه فوق المنصب فيكون محمودا بكل لسان عند الله وعند العالم فيمنع بحق وحكمة ويعطي بحق وحكمة كما قال الحق عن نفسه ولكن ينزل بقدر ما يشاء وذلك لعلم هذا الشخص بالأوزان فإن الله يقول إنه بعباده خبير بصير فيعلم على من يبسط رزقه وعلى من يقبض عنه ذلك القدر الذي بسطة على غيره فبغى به ولذلك ما ذكر إلا عموم البسط في العباد كلهم وأضاف البغي للكل لأنه قد بسط للبعض فوقع منهم البغي فيما بسطة له لأنه شغله عن حاجة نفسه الضرورية بحاجة نفسه التي هي غير ضرورية كملك بسط الله له في الملك فأعطاه افتقاره الأصلي أن يسعى في تحصيل ملك غيره ولم يقنع بما عنده وقد كان قبل حصول ما هو فيه عنده يشتهي أنه يحصل له بعضه ويقنع به فلما أعطاه ما قنع وتشوق إلى الزيادة مما هو في يد غيره فلم يحصل له ذلك إن حصل إلا بالبغي في الأرض فربما أداه ذلك البغي إلى زوال ما بيده فيندم عند ذلك ويعلم أنه ما عاد عليه إلا بغيه فلو كان عزيزا في طلبه غير مهان ما منع هكذا يقول عن نفسه وقد يكون منع الله ذلك في حقه وأخذ ما كان بيده سببا إلى رجوعه إلى الله وتوبته ليسعده الله بذلك فالعاقل ينظر في أحواله وتصرفاته وما أهله الله له ويعلم أن ذلك كله خطاب الحق بالسنة الأحوال فيفتح عين الفهم وسمعه لذلك الخطاب العقلي والحالي فيعمل بمقتضى فهمه فيه فإن قلت فإن كان فهمه فيه ما تعطيه قوة ذلك المنصب قلنا ليس ذلك نريد وما غاب عنا هذا الذي دخلت علينا به ولكن الله قد وضع لنا في العالم الموازين الشرعية لنقيم لها الوزن بالقسط فإذا أعطى ذلك الأمر الذي يريد تمشيته في العالم بالوزن أخذنا منه قدر ما يدخل الميزان وتركنا منه ما لا يحتمله الميزان فإن في مقابلة كفة الموزون مقدارا في الكفة الأخرى وذلك المقدار هو الذي يعين لنا من هذا الموزون وما نحتاج إليه في الوقت وهذا معنى قوله ينزل بقدر ما يشاء وهو القدر الذي في الكفة الأخرى من الميزان وما تنزله إلا بقدر معلوم وقد يكون الميزان مكيلا فهو على قدر الكيل والفرق بين المكيال والميزان أن الميزان خارج عنك فنأخذ من الموزون قدر ما يقابله من الكفة الأخرى والمكيال هو عين ذاتك من حيث ما هي متصفة بحالة ما فذلك عين كيلها فلا تأخذ من الأمر إلا بقدر قبولها كما يأخذ المكيال فهو على الحقيقة كما هو في الميزان فإنه إذا رجح بأحد الكفتين فقد خرج عن أن يكون وزنا لأنه خرج عن مقدار ما يقابله إما بتطفيف أو غيره فالنبي ص لما نزل عليه من الشرائع مكيال لا ميزان والحق لما لم يصح أن يكون محلا للأمر لم ينزل نفسه منزلة المكيال لكن وصف نفسه بأن بيده الميزان يخفض القسط ويرفعه بحسب مراتب العالم فكل خفض في ميزان الحق ورفع فهو عين الاعتدال بين الكفتين في الميزان الموضوع في العالم فإن الحق لا يزن إلا حقا فميزان الحق لا بد فيه من خفض ورفع لإحدى الكفتين ولو كان على الاعتدال ما ظهر كون في العالم أصلا ولا عدل فإذا أقيمت موازين الشرع الإلهي في العالم سرى العدل في العالم وكذلك لو أقيم الوزن الطبيعي في العالم لم يكن في العالم مرض ولا موت كما لا يكون في الجنة لأن الميزان الطبيعي في الجنة يظهر حكمه ولذلك هي دار البقاء ويرتفع فيها ميزان الشرع كما ارتفع في الدنيا ميزان الطبع فالمنع والعطاء لولا الميزان ما كان لهما حكم في العالم والذي يزن هو الموصوف بالمعطي والمانع والضار والنافع وهو بكل شئ عليم فإن قال قائل من أهل التحقيق إن الجود الإلهي
(٥٢٩)