فالحق مصرف العالم والعالم مصرف الحق ألا تراه يقول أجيب دعوة الداع إذا دعان أليست الإجابة تصريفا هل يتصور إجابة من غير نداء وسؤال لا يصح أن يتصرف في نفسه فما له تصرف إلا فينا فتصرفه إيجاده إيانا دائما فأعيان تظهر وأحكام له تحدث وتعلقات لا تنكر فإن قلت أنا واحد كنت صادقا * وإن قلت لسنا واحدا لم تكذب فيا ليت شعري من يجهل وما ثم إلا الله فالكل عالم بما لا يعلمه ثم يعلمه ولنبلونكم حتى نعلم وقد ظهر بعض رشح من هذا المشهد على طائفة من أصحاب النظر لا يعرف من أين جاءهم ذلك فحكى عنهم أنهم يقولون إن الله لا يعلم نفسه لأن العلم بالشئ يقتضي الإحاطة بالمعلوم وهو لا يتناهى وجوده ووجوده عين ماهيته ليس غيرها وما لا يتناهى لا يكون محاطا به إلا أنه لا يتناهى وأحاط علما به أنه لا يتناهى لا له ولا للعالم وهذا وإن كان قولا فاسدا فإن له وجها إلى الصحة وذلك أنه لا يعلم نفسه على جهة الإحاطة بل يعلم نفسه أنها لا تقبل الإحاطة كما يعلم الممكنات وجميع المقدورات أنها لا تتناهى فانظر في هذا الرش من هذا البحر الغمر كيف أثر في العالم نحلة ظهرت في العين وبدت إلى عالم الكون حتى سطرت في الدفاتر وسارت بها الركبان وتسامر بها العلماء وما ثم قائل إلا الله ولا منطق إلا الله وما بقي إلا فتح عين الفهم لتنطق الله من حيث إنه لا ينطق إلا بالصواب فكل كلام في العالم فهو إما من الحكمة أو من فصل الخطاب فالكلام كله معصوم من الخطاء والزلل إلا أن للكلام مواطن ومحال وميادين له فيها مجال رب تتسع ميادينه بحيث أن تنبو عن إدراك غايتها عيون البصائر فينطق حين ينطق بالصواب * على ما يقتضي فصل الخطاب وترجع حسرا أبصار قوم * عموا فيها عن الأمر العجاب فإذا أردت السبيل إلى فهم هذه المعاني فتعمل في تكثير النوافل التي لها أصل في الفرائض وإن تمكن لك أن تكثر من نوافل النكاح فإنه أعظم فوائد نوافل الخيرات لما فيه من الازدواج والانتاج فتجمع بين المعقول والمحسوس فلا يفوتك شئ من العالم الصادر عن الاسم الظاهر والباطن فيكون اشتغالك بمثل هذه النافلة أتم وأقرب لتحصيل ما ترومه من ذلك فإذا فعلت هذا أحبك الحق وإذا أحبك غار عليك أن تشهدك عين أو يقيدك كون فأدخلك في حمى حرمه وجعلك من جملة أحبابه وأهلك له فصرت له أهلا كما قال في الحديث في أهل القرآن إنهم أهل الله وخاصته خرج ذلك الترمذي في منصفه وإذا اتخذك أهلا جعلك محلا لإلقائه وعرشا لاستوائه وسماء لنزوله وكرسيا لقدميه فظهر لك فيك منه ما لم تره مع كونه فيك وهو قوله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين لأن جنوبهم تجافت عن المضاجع الطبيعية وصاروا أهلا للموارد الإلهية والشوارد الربانية فمياههم عذبة صافية وعروشهم عن كل ما سوى ما يلقي الله إليهم خاوية آبارهم معطلة وأبوابهم مقفلة وقصورهم مشيدة ضاعت مفاتح أقفالها وتقطعت حبال آبارها فتنظر إلى مياهها ولا تذاق فتستحسن على جهالة فإذا سردت أخبارها قرآنا ظهر إعجازها فلم يستطع أحد معارضتها فيستحليها فإذا سئل عن معانيها لا يدري ما يقول إذ لا ذوق له فيها إلا ما أعطاه الشهود فغايته أن يقول إن هذا إلا سحر يؤثر لاختلاط ضوئه بظلمته تشبيها بسحر الليل وبالسحر الذي يخرج الهواء الحار ويسوق الهواء البارد لتبقى بذلك الحياة على هيكل الحيوان فلا يدري الناظر فيه أي وجه يستقبل به فإنه مهما أقبل على وجه أعرض عن الآخر إلا أن يكون نبيا فيرى من خلفه كما يرى من أمامه فيكون وجها كله وذلك هو المعبر عنه بالذوق الذي يكون عنه حقيقة الاشتياق والشوق فما ينطق عن هوى إن هو إلا وحي يوحى علمه ذو القوة المتين في صورة شديد القوي فما هو على الغيب بظنين وما هو بقول شيطان رجيم فإنه من عين القرب أخبر لأنه من دنا فتدلى فكان كما تقدم قاب قوسين أو أدنى وما هو من مرجمات الظنون كما يقولون في أصحاب الكهف الفتية المعلومة ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب يقول ما هو علي تحقيق فيما يخبرون به من عددهم هذا رجم في العدد وأين أنت لو أخذوا في حقيقة المعدود لخاضوا وما حصلوا على طائل
(٥٤٥)