كان على ما كان من غير تعيين بشرط أن يكون دليلا في نفس الأمر كما يشهد له الحس إن كان الدليل محسوسا حتى لو أعطى العلم الضروري بصدق هذه الدعوى في نفس الحاكم لكان ذلك العلم الضروري عين الدليل على صدق دعوى هذا المدعي فناصب هذه الدلالات هو المصدق لصاحب هذه الدعوى فإذا صدقه من صدقه وحصل العلم بذلك في نفس من حصل عنده كان ذلك لشخص الحاصل عنده هذا الدليل مصدقا صاحب هذه الدعوى وعاد التصديق كونيا أي في الخلق كما هو في الحق فكان صاحب الدعوى بين مصدقين محصورا من أي جهة التفت لم يجد إلا مصدقا بما جاء به في دعواه فأعطاه هذا الحال الأمان في نفسه من تكذيبه من هذين الطرفين ولو جحد الكون فإنه متيقن في نفسه صدق هذا المدعي وليس المراد إلا ذلك أعني حصول العلم بصدقه فبصورة هذه الركعة سرى التصديق في عالم الإنس والجان في بواطنهم وذلك حين وقعت منه هذه الركعة في باطن الأمر إذ كان نبيا وآدم بين الماء والطين فلم يزل تسري روحا مجردا في كل مصدق حتى ركعها ص بصورة جسمه فتجسدت وليس ذلك الروح من فعله صورة جسدية لأنها من حركات محسوسة فكان فعلها أقوى عندنا للجمع بين الصورتين كما كان تأثيره ص بظهور جسمه أقوى في بعثه منه إذ كان نبيا وآدم بين الماء والطين فإنه نسخ بصورة بعثته جميع الشرائع كلها ولم يبق لشريعة حكم سوى ما أبقى هو منها من حيث هي شرع له لا من حيث ما هي شرع فقط نش ء صورة الركعة السابعة من الوتر انتشأ منها رجل من رجال الله يقال له عبد الرحيم اعلم أن الرحمة في عين القادر على إظهار حكمها تعود عذابا أليما على من قامت به لأنها من ذاتها تطلب التعدي إلى المرحوم وإظهار أثرها بالفعل فيه فإذا قامت بالقادر على تنفيذها في المرحوم كان لها أثر إن أثر في الراحم وهو ما زال عنه من الألم بحصول أثرها في المرحوم فالراحم مرحوم بها من حيث قدرته على تنفيذها والذي نفذت فيه مرحوم أيضا بها وبقدرة الراحم على تنفيذها فأثرها فيه من وجهين والأثر إزالة ما أدى الراحم لتعلق الرحمة بذلك المرحوم فما كل رحمة تكون نعيما إلا إذا كان الراحم قادرا على تنفيذها فللرحمة تجل في صورة العذاب في حق الراحم الذي نفيت عنه الاقتدار ولها تجل في صورة النعيم في حق الراحم والمرحوم إذا كانت في قادر على تنفيذها فقد قلبت الصورتين المتقابلتين وهذا من أعجب الأمور إن الرحمة تنتج ألما وعذابا فلو لم تقم الرحمة به لم يتصف بالألم هذا الذي لا اقتدار له ثم الذي في المسألة من العجب العجاب أن الرحمة القائمة بالموصوف بنفوذ الاقتدار قد يكون له مانع من تنفيذها من ذاته فيقوم به ألم الكراهة وذلك حكم ذلك المانع من كونه متصفا بالاقتدار على تنفيذها وهذه المسألة من أصعب المسائل في العلم الإلهي وظهر حكم ذلك في الصحيح من الأخبار الإلهية عن نفسه تعالى عز وجل حيث قال ما ترددت في شئ أنا فاعله ترددي في قبض نسمة المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد له من لقائي وهو الذي جعله يكره الموت ودل على أن لقاءه تعالى لا يكون إلا بالموت وهو الخروج عن الحس المطلق إلى الحس المشترك كما تراه في النوم لكون النوم ضربا من ضروب الموت فإنه وفاة وانتقال من عالم الحس إلى عالم الخيال والحس المشترك فيرى النائم ربه في نومه كما يراه الميت بعد موته غير أن رؤية الميت ولقاءه ربه لا رجعة بعد رؤيته عنه والنائم يستيقظ مرسلا إلى الأجل المسمى فإن كان اللقاء عن فناء لا عن نوم ثم رد إلى حال البقاء فحكمه حكم الميت إذا بعث يوم القيامة لا يقع له حجاب عنه فهذا الفارق بين النائم والفاني ولذلك قال عمرو بن عثمان المكي في صفة العارفين إنهم كما هم اليوم كذلك يكونون غدا إن شاء الله تعالى فلم ير أعجب من حكم الرحمة ألا ترى الطبيب تقوم به الرحمة بصاحب الآكلة ولا يقدر على تنفيذها فيه إلا بإيلامه فعلى قدر رحمة ذلك الطبيب بصاحب هذه العلة يكون ألمه في نفسه لعدم إنفاذها فيه من غير إيلامه فلو لا رحمته به ما تألم ألا ترى المستشفي كيف لا يجد ألما بل يجد لذة فتدبر ما ذكرته لك في العلم الإلهي ولقد رأيته في الكشف الصحيح والمشهد الصريح ورسول الله ص معي وقد أمر تعالى بقتل الدجال لدعواه الألوهية وهو يبكي ويعتذر عنه فيما يعاقب به من أجله وأنه ما بيده في ذلك من شئ فبكاؤه مثل الألم في نفس الراحم الذي ما له اقتدار على تنفيذ رحمته للمانع فما في العلم الإلهي حيرة أعظم من هذه الحيرة ولولا عظمها ما وصف الحق نفسه بالتردد والتردد حيرة فافهم نش ء صورة الركعة الثامنة من الوتر انتشأ منها رجل من رجال الله تعالى يقال له
(٤٩٧)