عبد الملك اعلم أن الملك الذي أحدث هذه الحقيقة التي تسمى ملكا فإذا تسمى بها العبد واتصف الحق بالملك لم يتصف به اتصاف المخلوق فإن المخلوق ملك على الإطلاق والحق ملك الملك لا ملك على الإطلاق فإنه لا يكون ملكا للعبد حتى تظهر عند العبد عبوديته له تعالى ويظهر عنده كونه ملكا لمليكه وهو الله تعالى وإنما قلنا هذا الأجل طائفة أعطاها نظرها إلى الله إن الله لا يعلم الجزء على التعيين وإنما يعلم الكل الذي يتضمن الجزء بخلاف أهل الحق أهل الكشف والوجود ولهذا كان له اسم الملك والملك أي هذا الوصف ظهر عن شدة لكون أصحاب هذا النظر العقلي لا يثبتونه فلما لم تجتمع عليه العقول وقعت فيه المنازعة فاستخلصه الحق ملكا أي عن شدة واستخلص العبد العارف الحق ملكا له أي عن شدة لأجل المنازع فسماه ملك الملك ليفرق بينه وبين كون المخلوق ملكا لله فيتصف المخلوق بالعبودية لله في كونه ملكا له ويتصف الحق بملك الملك ولا يتصف بالعبودية له وإن كان في الحق تأثير من الخلق كما تقدم ومع هذا فلا يتصف بالعبودية لأن ذلك ليس عن ذلة لأنه تعالى الأصل في ذلك التأثير فما عاد عليه إلا ما كان منه بخلاف الخلق فإن المخلوق يعود عليه ما كان منه ويقوم به ما لم يكن منه بابتداء من الحق فاعلم ذلك نش ء صورة الركعة التاسعة من الوتر انتشأ منها صورة رجل من رجال الله يقال له عبد الهادي اعلم أن الهداية أثر إلهي في قوله من يضلل الله فلا هادي له وأثر كوني في قوله ولكل قوم هاد ويعود معناه إلى الأول فإن الهادي الكوني لا يكون إلا رسولا من عند الله فهو مبلغ لا هاد معناه لا موفق لكنه هاد بمعنى مبين قال تعالى في البيان الذي لهم والتبيان الذي أوجبه عليهم الله تعالى لتبين للناس ما نزل إليهم وقال في الهداية التي هي التوفيق ليس عليك هداهم أي ليس عليك إن توفقهم لقبول ما أرسلتك به وأمرتك بتبيانه ولكن الله يهدي أي يوفق من يشاء وهو أعلم بالمهتدين أي بالقابلين التوفيق فإنه على مزاج خاص أوجدهم عليه فهؤلاء الهداة هم هداة البيان لا هداة التوفيق وللهادي الذي هو الله الإبانة والتوفيق وليس للهادي الذي هو المخلوق إلا الإبانة خاصة وإنما قلنا ذلك واستشهدنا بما استشهدنا به لما تقرر عند ما لا علم له بالحقائق إن العبد إذا صدق فيما يبلغه عن الله في بيانه أثر ذلك في نفوس السامعين وليس كما زعموا فإنه لا أقرب إلى الله ومن الله ولا أصدق في التبليغ عن الله ولا أحب في القبول فيما جاء به من عند الله من الرسل صلوات الله عليهم وسلامه ومع هذا فما عم القبول من السامعين بل قال الرسول الصادق في التبليغ وما يزيدهم دعائي إلا فرارا فلما لم يعم مع تحققنا هذه الهمة علمنا إن الهمة ما لها أثر جملة واحدة في المدعو والذي قبل من السامعين ما قبل من أثر همة الداعي الذي هو المبلغ وإنما قبل من حيث ما وهبه الله في خلقه من مزاج يقتضي له قبول هذا وأمثاله وهذا المزاج الخاص لا يعلمه إلا الله الذي خلقهم عليه وهو قوله تعالى وهو أعلم بالمهتدين فلا نقل بعد هذا إذا حضرت مجلس مذكر داع إلى الله فلم تجد أثرا لكلامه فيك إن هذا من عدم صدق المذكر لا بل هو العيب منك من ذاتك حيث ما فطرك الله في ذلك الوقت على القبول فإن المنصف ينظر فيما جاء به هذا الداعي المذكر فإن كان حقا ولم يقبله فيعلم على القطع أن العيب من السامع لا من المذكر فإذا حضر في مجلس مذكر آخر وجاء بذلك الذكر عينه وأثر فيه فيقول السامع بجهله صدق هذا المذكر فإن كلامه أثر في قلبي والعيب منك وأنت لا تدري فلتعلم إن ذلك التأثير لم يكن لقبولك الحق فإنه حق في المذكرين في نفس الأمر وإنما وقع التأثير فيك في هذا المجلس دون ذلك لنسبة بينك وبين هذا المذكر أو بينك وبين الزمان فأثر فيك هذا الذكر والأثر لم يكن للمذكر إذ قد كان الذكر ولا أثر له فيك وإنما أثرت المناسبة التي بينتها لك الزمانية أو النسبة التي بينك وبين هذا المذكر وربما أثر لاعتقادك فيه ولم يكن لك اعتقاد في ذلك الآخر فما أثر فيك سواك أو ما أشبه ذلك ولهذا قلنا في تفسير الهداية الإلهية بالتوفيق والبيان فقولنا بالتوفيق أي بموافقة النسبة بين السامع والمذكر لا بالبيان فإن البيان فرضناه واقعا في الحالتين من المذكرين ولم يقع القبول إلا في إحدى الحالين فاعلم ذلك وتحققه ترشد إن شاء الله وأقل فائدة في هذه المسألة سلامة المذكر من تهمتك إياه بعدم الصدق في تذكيره ورده وردك الحق فإن السليم العقل يؤثر فيه الحق جاء على يدي من جاء ولو جاء على لسان مشرك بالله عدو لله كاذب على الله ممقوت عند الله لكن الذي جاء هو به حق فيقبله العاقل من حيث ما هو حق لا من حيث المحل الذي ظهر به وبهذا يتميز طالب الحق من غيره نش ء صورة الركعة العاشرة من الوتر انتشأ منها رجل من
(٤٩٨)