تشهده العقول فكما أنه ما ثم في المعلومات غيب عنه جملة واحدة بل كل شئ له مشهود كذلك ما هو غيب لخلقه لا في حال عدمهم ولا في حال وجودهم بل هو مشهود لهم بنعت الظهور والبطون للبصائر والأبصار غير أنه لا يلزم من الشهود العلم بأنه هو ذلك المطلوب إلا بإعلام الله وجعله العلم الضروري في نفس العبد أنه هو مثل ما يجد لنائم إذا رأى صورة الرسول أو الحق تعالى في النوم فيجد في نفسه من غير سبب ظاهر أن ذلك المرئي هو الرسول إن كان الرسول أو الحق إن كان الحق وذلك الوجد إن حق في نفسه مطابق لما هو الأمر عليه فيما رآه هكذا يكون العلم بالله فلا يدرك إلا هكذا إلا بتفكر ولا بنظر حتى لا يدخل تحت حكم مخلوق وإذا كان الأمر بهذه المثابة وأخبر عن نفسه أنه يتحول في الصور مع ثبوت هذه الأحكام حكمنا عليه بما يحكم به على الصور التي يتجلى فيها لعباده كانت ما كانت فليس ثم غيره ولا سيما في الموطن الذي يعلم من حقيقته أنه لا يمكن فيه دعوى في الألوهية إلا لله فلا نضرب له مثلا فإنه عين المثل * سبحانه عز وجل * وكلنا منه إذا * حققته علي وجل إلا الذي بشره * بالأمن منه وبجل ففعل ما يقتضيه الموطن فإن العالم بالأمور لا يزيد في الظهور على حكم ما يقضي به الوقت ولذلك قالت الطائفة في الصوفي إنه ابن وقته وهذا حكم الكمل من الرجال كما يقول رسول الله ص وهو الرؤوف الرحيم في حق طائفة يوم القيامة سحقا سحقا فإذا زال ذلك الحال تلطف في المسألة وشفع فيمن هوت به الريح وهو قوة حكم هوى النفس في مكان سحيق فيقوم الحق في الحال الواحد بصفة الغضب والرضي والرحمة والعذاب لحكم الظاهر والباطن والمعز والمذل فكأنه برزخ بين صفتيه فإنه ذو قبضتين ويدين لكل يد حكم وفي كل قبضة قوم مثل الكتابين اللذين خرج بهما رسول الله ص على أصحابه وأخبرهم أن في أحدهما أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وعشائرهم وقبائلهم من حين خلق الله الناس إلى يوم القيامة وفي الكتاب الآخر أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم وعشائرهم من حين خلق الله الناس إلى يوم القيامة ولو كتب هذا بالكتابة المعهودة ما وسعت الأوراق مدينة فكيف أن يحيط بذلك كتابان في يدي الرسول ص فهذا من علم إدخال الواسع في الضيق من غير أن يوسع الضيق أو يضيق الواسع فمن شاهد هذه الأمور مشاهدة وحصلت له ذوقا فذلك هو العالم بالله وبما هو الأمر عليه في نفسه وعينه فإن الصحيح أن لشئ لا يدرك إلا بنفسه وليس له دليل قاطع عليه سوى نفسه والبصر له الشهود والعقل له القبول وأما من طلب معرفة الأمور بالدلائل الغريبة التي ليست عين المطلوب فمن المحال أن يحصل على طائل ولا تظفر يداه إلا بالخيبة فأما المقربون فهم بين يدي الله في مقابلة الذات الموصوفة باليدين فإنهم لتنفيذ الأوامر الإلهية في الخلق في كل دار وأما أهل اليمين فليس لهم هذا التصريف بل هم أهل سلامة وبراءة لما كانوا عليه وهم عليه من قوة الحكم على نفوسهم وقمعهم هواهم باتباع الحق وأما أهل اليد الأخرى الذين قيل فيهم إنهم أصحاب الشمال فنكسوا رؤوسهم ومنهم المقنع رأسه الذي لا يرتد إليه طرفه بهتا لعظيم ما يرى فلا يرى طائفة من هؤلاء الثلاثة إلا ما يعطيه مقامها ومنزلها ومكانها فتشهد كل طائفة من الله خلاف ما تشهده الأخرى والحق واحد فلو لا ما هو الأمر واحد الكثرة لما اختلف شهودهم فلو لا الكثرة في الواحد لما كان الأمر إلا واحد إلا يقبل القسمة وقد قبل القسمة فالأصل كهو وهذا سبب وجود الدارين في الآخرة والكفتين في الميزان والرحمة المقيدة بالوجوب والمطلقة بالامتنان وتفاضل المراتب في الدرجات في الجنان والدركات في النار فليس إلا الواحد الكثير * بمثل هذا تشهد الأمور فانظر إذا ما جاءك الغرور * حقا بلا شك له النذير وكل ما تقوله فزور * تضيق من سماعه الصدور فإذا تجلى الحق في صفة الجبروت لمن تجلى من عباده فإن كان المتجلي له ليس له مدبر غير الله كجبل موسى تدكدك لتجليه فإنه ما فيه غير نفسه وإن كان له مدبر قد جعله الله له كتدبير النفوس الناطقة أبدانها لم تتدكدك أجسامها لكن
(٤٨٥)