يقيم على خلقه يوم القيامة الشهود فلا يعاقبهم إلا بعد إقامة البينة عليهم مع علمه وبهذا قال من قال إنه ليس للحاكم أن يحكم بعلمه أما في العالم فللتهمة بما له من الغرض وأما في جانب الحق فلإقامة الحجة على المحكوم عليه حتى لا يأخذه في الآخرة إلا بما شرع له من الحكم به في الدنيا على لسان رسوله ص ولهذا يقول الرسول لربه عن أمر ربه رب احكم بالحق يعني بالحق الذي بعثتني به وشرعت لي أن أحكم به فيهم فإذا علمت إن الحق أنزل نفسه في خلقه منزلتهم وجعل مجلاه الأتم في الخليفة الإمام ثم قال كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فعمت الإمامة جميع الخلق فحصل لكل شخص منهم مرتبة الإمامة فله من الحق هذا القدر ويتصرف بقدر ما ملكه الله من التصرف فيه فما ثم إنسان إلا وهو على صورة الحق غير أنه في الإمام الأكبر مجلاه أظهر وأمره أعظم وطاعته أبلغ واعلم أن الله تعالى لما شرع لعباده ما شرع قسم ما شرعه إلى فرض أوجبه على المكلفين من عباده وهو على قسمين فرض أوجبه عليهم ابتداء من عنده كالصلاة والزكاة والصيام والحج والطهارة وما أشبه ذلك مما أوجبه عليهم من عند نفسه وفرض آخر أوجبوه على أنفسهم ولم يكن ذلك فأوجبه الله عليهم ليؤجروا عليه أجر الواجب الإلهي وليتحقق الله عندنا إن الإنسان على صورته فإن الله أوجب على نفسه نصر المؤمنين والرحمة وأمثال ذلك هذا في حق العلماء بالله وفي حق قوم أوجبه عليهم عقوبة لهم حين أوجبوه على أنفسهم كالنذر وزاحموا الربوبية في الإيجاب على نفسه فأوجبه عليهم ليعرفهم أنهم ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم فيعرفون بذلك مقدارهم فالحق تعالى لو لم يفعل ما أوجب على نفسه فعله لما تعلق به ذم ولا لوم في ذلك لأن رتبته تقتضي بأنه الفعال لما يريد ولهذا ما يتعلق بإيجابه على نفسه حد الواجب والعبد لما أوجب الله عليه ما أوجبه على نفسه تعلق به إذا لم يقم بصورة ما أوجبه على نفسه حد الواجب كالواجب الأصلي إذا لم يقم به يعاقب فأجره عظيم والعقوبة عليه عظيمة فيمن لم يقم به فجزاؤه عظيم في الواجبين معا ثم ما جاء من الأفعال زائدا على صور الواجبات سمي ذلك نافلة أي زائدا على الواجب فإن لم يكن لذلك الزائد عين صورة في الفرائض لم يكن نافلة وكان ذلك عملا مستقلا له مرتبة في الأجر ليست للنوافل ثم مزج النشأة كما مزج نشأة المكلف فجعل في نشأة الفرائض سننا وهي زوائد على الفرائض وجعل في النوافل التي تطوع العبد بها من نفسه من غير وجوب الفرائض في نشأة النوافل ولهذا إذا لم يجئ بالفرائض يوم القيامة تامة يقول الله أكملوا لعبدي فريضة من تطوعه فما نقص من الفرض الواجب كمل من الفرض الذي في النوافل وما نقص من سنن الفرض الواجب كمل من سنن النوافل ألحق كل شئ بمثله قال لي بعض الأرواح فلم سميت الغنائم أنفالا قلنا لا شك ولا خفاء عند كل مؤمن عالم بالشرع إن الله ما جعل القتال للمؤمن إلا لتكون كلمة الله هي العلياء وكلمة الذين كفروا السفلي لتتميز الكلمتان كما تميزت القدمان فإنه خلق من كل شئ زوجين ذاتا وحكما وعرفتنا التراجمة عن الله وهم رسل الله إن الله تعالى من وقت شرع الجهاد والقتال والسبي أعطى المغانم للنار طعمة أطعمها إياها وأوجبها لها وكان من طاعتها لربها أنها لا تتناول إلا ما أحل الله لها تناوله وكان قد حرم الله عليها أكل المغنم إذا وقع فيه غلول من المجاهدين فكانت لا نأكل المغنم إذا غل فيه حتى يرد إليه ما كان أخذ منه ليخلص العمل للمجاهد فلما جاء الشرع المحمدي زاد الله المغانم لأمة محمد ص طعمة على ما أطعمهم من غير ذلك فكانت تلك الطعمة التي أخذناها من النار نافلة لهذه الأمة وما أعطاها إياهم لكونهم جاهدوا إذ لو كان ذلك حقا لهم على الجهاد ما وقعت لأحد لم يجاهد معهم فيها الشركة فما هي فريضة للمجاهدين وإنما هي طعمة أطعمها الله من ذكر وجعل لنفسه نصيبا لكونه نصرهم فله نصيب في الجهاد فلما كان السبب لكون الله جعل لنفسه فيها نصيبا لنصرته دين الله اندرج في نصيب الله كل من نصر دين الله وهم الغزاة فليس لهم إذا اعتبرت الآية إلا الخمس من المغنم ثم تبقي أربعة أخماس فتقسم فخمسة أيضا واحد الخمسة لرسول الله ص وبعد الرسول إذا فقد الخليفة الزمان والخمس الثاني لأهل البيت قرابة رسول الله ص والخمس الثالث لليتامى والخمس الرابع للمساكين والخمس الخامس لابن السبيل وقد ورد عن بعض العلماء وأظنه ابن أبي ليلى أن الحظ الذي هو الخمس من الأصل كان رسول الله ص يقبضه ويخرجه للكعبة ويقول هذا الله ثم يقسم ما بقي فلما كانت هذه الطعمة للنار نقلها الله لهذه الأمة كما جعل
(٤٧٦)