ولهم عذاب أليم ملك كذاب وشيخ زان وعائل مستكبر أي قد بالغ في التكبر كما أن المسكين قد بالغ الله فيه بالضعف فإنه من كونه مسكينا صاحب ضعفين ضعف الأصل وضعف الفقر فلا يقدر يرفع رأسه لهذا الضعف بخلاف رب المال فإنه يجد في نفسه قوة المال وبهذا سمي المال مالا لأنه يميل بصاحبه ولا بد إما إلى خير وإما إلى شر لا يتركه في حال اعتدال فالمسكين من سكن تحت مجاري الأقدار ونظر إلى ما يأتي به حكم الله في الليل والنهار واطمأن بما أجرى الله به وعليه وعلم أنه لا ملجأ من الله إلا إليه وأنه الفعال لما يريد وتحقق بأن فسمه من الله ما هو عليه في الحال فجبر الله كسره بقوله أنا عند المنكسرة قلوبهم فإنك إذا جئت لمن انكسر قلب ما تجد عنده جليسا إلا الله حالا وقولا فجعل له حظا عليه في المغنم وإن لم يكن له فيه تعمل فخدمه غيره ونال هو الراحة بما أوصل الله إليه من ذلك مما جهد فيه الغير وتعب كالمؤمن الذي لا علم له وهو من أهل الجنة فيرى منازل العلماء بالله وهو في الموقف فيتحسر ويندم فيعمد الله إلى من هو من أهل النار من العلماء فيخلع عنه ثوب علمه ويكسوه هذا المؤمن ليرقى به في منزلة ذلك العلم من الجنة لأنه لكل علم منزلة في الجنان لا ينزل فيها إلا من قام به ذلك العلم لأن العلم يطلب منزلته من الجنان والعالم الذي كان له هذا العلم هو من أهل النار الذين هم أهلها والعلم لا يقوم بنفسه فينزل بنفسه في تلك المنزلة فلا بد له من محل يقوم به فيخلعه الله على هذا المؤمن السعيد الذي لا علم له فيرقى به العلم إلى منزلته فما أعظمها من حسرة ولكن بقي عليك إن تعرف أي علم يسلبه هذا الذي هو من أهل النار وذلك أنه إذا كان على علم في نفس الأمر إلا أنه قد دخلت عليه في الدنيا فيه شبهة فأما حيرته فهو في محل النظر وأما إزالته عنه مع علمه بما كان عليه غير أنه اعتقد فيه في الدنيا أنه جهل فإذا كان في الآخرة علم أنه علم فذلك العلم هو الذي يسلب ويخلع على هذا الذي ليس بعالم وهو من أهل الجنة وإذا كان الأمر على ما ذكرناه فإن الله لا يبقى في الدنيا عند الموت عند أهل النار الذين هم أهلها سوى العلم الذي يليق أن يكون عليه أهل النار وما عدا ذلك من العلوم التي لا تصلح أن تكون إلا لأهل الجنة يدخل الله بها على العالم به في الدنيا أو عند الاحتضار شبهة يخطرها له تزيله عن العلم أو تحيره ثم يموت على ذلك وكان ذلك في نفس الأمر علما فهذا الصنف من العلم هو الذي يخلع على أهل الجنان إذا لم يتقدم لهم علم به في الدنيا ويطمع فيه من قد كان علمه من أهل النار فيقام عليه الحجة بأنه مات على شبهة فهذا حظ المسكين من المغنم فإن ذلك الذي سلب عنه في الدنيا بالشبهة جاهد نفسه وتعب فلما غنم ودخلت الشبهة كان حظ المسكين ذلك العلم وأما ابن السبيل فأبناء السبيل هم أعلى الطوائف عند الله فإن الابن لا يقدر أن ينتفي عن أبيه وإنما سمي ابن السبيل لأنه علم إن المنزل محال وأن الاستقرار على أمر واحد محال لا في حق نفسه ولا في حق تجلى ربه بل ولا في حق ربه لأنه في شأن خلقه والأمر فيهم جديد دائما أبدا ومن لم يستقر به قدم فلا بد أن يكون ماشيا أي متحركا ولا يتحرك إلا في طريق وهي السبيل والمشي له دائما دنيا وآخرة فهو ابن السبيل دنيا وآخرة ولما كان متفرغا لسبيله مشغولا به مسافرا فيه والمسافر لا بد له من زاد فجعل الله له نصيبا من المغنم فالحق يغذيه بما ليس له فيه تعمل وقد يكون ابن السبيل في هذه الآية عين المجاهد ويكون السبيل من أجل الألف واللام اللتين للعهد والتعريف سبيل الله التي قال الله فيها ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله يعني الشهداء الذين قتلوا في الجهاد فيكون أيضا حظ المجاهد من المغنم القدر الذي عين الله لابن السبيل وهو معروف سوى ما له في الصدقات فاعلم ذلك فإنه تنبيه حسن إن كنتم آمنتم بالله وما أنزل الله على عبده يوم الفرقان ففرق بما أعلمه الله بين القبضتين بالكلمتين اللتين ظهرتا في الكرسي بالقدمين إذ كان أهل الله وهم أبناء الآخرة أبناء السبيل بالعدوة الدنيا إلى الله بمحصل القربة والمكانة الزلفى من الله وهم بالعدوة القصوى عن الله وهم أبناء الحياة الدنيا وأبناء سبيلها والركب أسفل منكم فجعل السفل لهم إذ كانت كلمة الذين كفروا السفلي ومن كان أسفل منك فأنت أعلى منه لأنكم أهل الله الذين لهم السعادة إذ كانت كلمة الله هي العلياء وكل هذا بحكم الله وقضائه لا ليد تقدمت بل لعناية إلهية سبقت يقول الله تعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون
(٤٨١)