الذي حدث عنده في خياله وما سمي الإخبار عن الأمور عبارة ولا التعبير في الرؤيا تعبير إلا لكون المخبر يعبر بما يتكلم به أي يجوز بما يتكلم به من حضرة نفسه إلى نفس السامع فهو ينقله من خيال إلى خيال لأن السامع يتخيله على قدر فهمه فقد يطابق الخيال الخيال خيال السامع مع خيال المتكلم وقد لا يطابق فإذا طابق سمي فهما عنه وإن لم يطابق فليس يفهم ثم المحدث عنه قد يحدث عنه بلفظ يطابقه كما هو عليه في نفسه فحينئذ يسمى عبارة وإن لم يطابقه كان لفظا لا عبارة لأنه ما عبر به عن محله إلى محل السامع وسواء نسب ذلك الكلام إلى من نسب وإنما قصدنا بهذه الإشارة التنبيه على عظم رتبة الخيال وأنه الحاكم المطلق في المعلومات غير إن التعبير عن غير الرؤيا رباعي والتعبير عن الرؤيا ثلاثي أي في الرؤيا وهما من طريق المعنى على السواء وعين الفعل في الماضي في تعبير الرؤيا مفتوح وفي المستقبل مضموم ومخفف وهو في غير الرؤيا مضاعف في الماضي والمستقبل مفتوح العين في الماضي وتكسر في مستقبله وإنما كان التضعيف في غير الرؤيا للقوة في العبارة لأنها أضعف في الخيال من الرؤيا فإن المعبر في غير الرؤيا يعبر عن أمر متخيل في نفسه استحضره ابتداء وجعله كأنه يراه حسا فضعف عمن يعبر عن الخيال من غير فكر ولا استحضار كصاحب الرؤيا فإن الخيال هنالك أظهر له ما فيه من غير استحضار من الرائي والمتيقظ ليس كذلك فهو ضعيف التخيل بسبب حجاب الحس فاحتاج إلى القوة فضعف التعبير عنه فقيل عبر فلان عن كذا وكذا بكذا وكذا بتشديد عين الفعل ألا ترى قولهم في عبور الوادي يقولون عبرت النهر أعبره من غير تضعيف لأن النهر هنا غير مستحضر بل هو حاضر في الحس كما كان ذلك حاضرا في الخيال من غير استحضار فاستعان بالتضعيف لما في الاستحضار من المشقة والاستعانة تؤذن بالتضعيف أبدا حيث ظهرت لأنه لا يطلب العون إلا من ليس في قوته مقاومة ذلك الأمر الذي يطلب العون عليه فكل ما لا يمكن الاستقلال به فإن العامل له لا بد أن يطلب العون والمعين على ذلك فافهم فإنه من هنا تعرف رتبة ما لا يمكن وجوده للموجد له إلا بمساعدة أمر آخر ما هو عين الموجد فذلك الأمر الآخر معين له على إظهار ذلك الأمر وهنا يظهر معنى قوله حتى يسمع كلام الله إذا أراد الحق إيصاله إلى أذن السامع بالأصوات والحروف أو الإيماء والإشارة فلا بد من الواسطة إذ يستحيل عليه تعالى قيام الحوادث به فافهم وعلى الله قصد السبيل وفي هذا المنزل من العلوم علم ما يفتقر إليه ولا يتصل به وفيه علم بيان الجمع أنه عين الفرق وفيه علم الفرق بين علم الخبر وعلم النظر العقلي وعلم النظر الكشفي وهو الذي يحصل بإدراك الحواس وفيه علم تنبيه الغافل بما ذا ينبه ومراتب التنبيه وفيه علم شرف العلم على شرف الرؤية فقد يرى الشخص شيئا ولا يدري ما هو فيقصه على غيره فيعلمه ذلك الغير ما هو وإن لم يره فالعلم أتم من الرؤية لأن الرؤية طريق من طرق العلم يتوصل بالسلوك فيه من هو عليه إلى أمر خاص وفيه علم ظهور الباطل في صورة الحق وهما على النقيض ومن المحال أن يظهر أمر في صورة أمر آخر من غير تناسب فهو مثله في النسبة لا مثله في العين وهذا هو في صناعة النحو فعل المقاربة يقولون في ذلك كاد النعام يطير وكاد العروس يكون أميرا والحق تعالى يظهر في عين الرائي السراب ماء وليس بماء وهو عنده إذا جاء إليه الظمآن وكذلك المعطش إلى العلم بالله يأخذ في النظر في العلم به فيفيده تقييد تنزيه أو تشبيه فإذا كشف الغطاء وهو حال وصول الظمآن إلى السراب لم يجده كما قيده فأنكره ووجد الله عنده غير مقيد بذلك التقييد الخاص بل له الإطلاق في التقييد فوفاه حسابه أي تقديره فكأنه أراد صاحب هذا الحال أن يخرج الحق من التقييد فقال له الحق بقوله فوفاه حسابه لا يحصل لك في هذا المشهد إلا العلم بي إني مطلق في التقييد فإنا عين كل تقييد لأني أنا العالم كله مشهود ومعلوم وهذا هو الكيد الإلهي من قوله وأكيد كيدا ومكروا ومكر الله وفيه علم ما هو مربوط بأجل لا يظهر حتى يبلغ الكتاب فيه أجله وفيه علم قيمة المثل وفيه علم تنزيه الأنبياء مما نسب إليهم المفسرون من الطامات مما لم يجئ في كتاب الله وهم يزعمون أنهم قد فسروا كلام الله فيما أخبر به عنهم نسأل الله العصمة في القول والعمل فلقد جاءوا في ذلك بالكبر الكبائر كمسألة إبراهيم الخليل ع وما نسبوا إليه من الشك وما نظروا في قول رسول الله ص نحن أولى بالشك من إبراهيم فإن إبراهيم ع ما شك في إحياء الموتى ولكن لما علم إن لإحياء الموتى وجودها متعددة مختلفة لم يدر بأي وجه منها يكون يحيي الله به الموتى وهو مجبول على طلب العلم فعين الله
(٤٥٤)