آتيك بدواء من عند هذا الرجل قال فتبسم وقال لي رح إليه قال فجئت إليه ولم يكن يعرفني قبل ذلك ولا كنت أنا على حالة وبزة توجب تعظيمي فمشيت إليه وأنا خائف إن يردني أو ينتهرني لما كان فيه من الشغل فوقفت على رأسه بين الناس فلما وقعت عينه علي قام إلي وأقعدني وسلم علي بفرح وبسط وتبشبش وقال ما حاجتك فقلت له عن حال الشيخ ومرضه فاستدعى بالدواء من الوكيل على أكمل ما يمكن واعتذر وقال لي تعنيت وهلا بعثت إلي في ذلك وقمت أخرج من الخيمة فقام لقيامي ومشت المشاعل بين يدي فودعته بعد ما مشى معي خطوات وأمر المشاعلي أن يمشي بالضوء أمامي فقلت له ما الحاجة وخفت من الشيخ أن يعز ذلك عليه فرجع المشاعلي وجئت فوجدت الشيخ على حاله كما تركته فقال لي ما فعلت فقلت له ببركتك أكرمني وهو لا يعرفني ولا أعرفه ووصفت له تفصيل ما كان منه فتبسم الشيخ وقال لي يا حامد أنا أكرمتك ما كان الخادم الذي أكرمك لا شك أني رأيتك كثير الجزع علي لعلتي فأردت إن أريح سرك فأمرتك إن تمشي إليه وخفت عليك منه لئلا يفعل معك ما يفعله مع الناس من الإهانة والطرد فترجع منكسرا فتجردت عن هيكلي وتصورت لك في صورته فأكرمتك وعظمت قدرك وفعلت معك ما رأيت إلى أن انفصلت وهذا دواؤك لا أستعمله فبقيت مبهوتا فقال لي لا تعجل ارجع إليه وانظر إلى ما يفعل بك قال فجئت إليه وسلمت عليه فلم يقبل علي وطردت فذهبت متعجبا فرجعت إلى الشيخ فقصصت إليه ما جرى لي فقال ما قلت لك فقلت له عجبا كيف رجعت خادما أسود فقال الأمر كما رأيت ومثل هذه الحكاية عن الرجال كثير وهذا يشبه علم السيمياء وليس بعلم السيمياء والفرق بيننا في هذا المقام وبين علم السيمياء إنك إذا أكلت بالسيمياء أكلت ولا تجد شبعا والذي يقبض عندك مما تقبضه من هذا العلم أنما ذلك في نظرك ثم تطلبه فلا تجده وإذا أراك صاحب هذا العلم السيماوي تدخل الحمام ثم ترجع إلى نفسك لا ترى لذلك حقيقة بل كل ما تراه بطريق السيمياء إنما هو مثل ما يرى النائم فإذا انتبه لم يجد شيئا مما رآه فإن صاحب علم السيمياء له سلطان وتحكم على خيالك بخواص الأسماء أو الحروف أو القلقطيرات فإن السيمياء لها ضروب أكثفها القلقطيرات وألطفها التلفظ بالكلام الذي يخطف به بصر الناظر عن الحس ويصرفه إلى خياله فيرى مثل ما يرى النائم وهو في يقظته وهذا المقام الذي ذكرناه ليس كذلك فإنك إن أكلت به شبعت وإن مسكت فيه شيئا من ذهب أو ثياب أو ما كان بقي معك على حاله لا يتغير وقد وجدنا هذا المقام من نفوسنا وأخذناه ذوقا في أول سلوكنا مع روحانية عيسى ع ولهذا قال ع وقد نهى عن الوصال فقيل له إنك تواصل فقال ص لست كهيئتكم إني أبيت معي مطعم يطعمني وساق يسقيني وفي رواية يطعمني ربي ويسقيني فلم يكن في تلك الجماعة التي خاطبها في ذلك الوقت من له هذا المقام ولم يقل لست كهيئة الناس فكان إذا أكل شبع وواصل على قوة معتادة ولما كان الأكل في حضرة الخيال لا في حضرة الحس صح أن يكون مواصلا وقد رأينا أن جبريل ظهر في صورة الحس رجلا معروفا كظهوره في صورة دحية وفي وقت رجلا غير معروف ولم يبلغنا أنه ظهر في عالم الغيب في الملائكة في صورة غيره من الملائكة فجبريل لا يظهر في الملائكة وفي عالم الغيب في صورة ميكائيل أو إسرافيل ولهذا قال تعالى عنه وما منا إلا له مقام معلوم وقد رأينا من له قوة التمثل من البشر يظهر في البشر في صورة بشر آخر غير صورته فيظهر زيد في صورة عمرو وليس للملك ذلك في عالم الغيب وكما ظهر جبريل في صورة البشر يظهر الإنسان في عالم الغيب عند الملائكة في صورة ملك من الملائكة أي صورة ملك شاء وأعجب من هذا أن بعض الرجال من المحبين من أهل هذه الطريقة دخل على شيخ فتكلم له الشيخ في المحبة وقد رآه بعض الحاضرين قد دخل عليه فما زال ذلك المحب يذوب في نفسه حسا من كلام ذلك الشيخ في المحبة لقوة تحقق ذلك المحب إلى أن رجع بين يدي ذلك الشيخ كفا من ماء فدخل عليه رجال فسألوه عن ذلك المحب أين هو فإنا ما رأيناه خرج فقال هذا الماء هو ذلك المحب الذي بين يدي فنظروا إلى ماء قليل على الحصير بين يدي الشيخ فانظر كيف رجع إلى أصله الذي خلق منه فيا ليت شعري أين تلك الأجزاء فاعلم إن الإنسان في هذا الطريق يعطي من القوة ما يظهر به في هذه النشأة كما يظهر في النشأة الآخرة التي يظهر فيها على أي صورة شاء فإن هذا في أصل هذه الصورة الدنياوية ولكن لا يصل كل واحد إلى معرفة هذا
(٤٣)