وكذلك ينشئنا على غير مثال سبق فإن قيل فما فائدة قوله تعودون قلنا يخاطب الأرواح الإنسانية إنها تعود إلى تدبير الأجسام في الآخرة كما كانت في الدنيا على المزاج الذي خلق تلك النشأة عليه ويخرجها من قبرها فيها ومن النار حين ينبتون كما تنبت الحبة تكون في حميل السيل مع القدرة منه على إعادة ذلك المزاج لكن ما شاء ولهذا علق المشيئة به فقال تعالى ثم إذا شاء أنشره يعني ذلك المزاج الذي كان عليه فلو كان هو بعينه لقال ثم ينشره فنرجع إلى ما نريد أن نبينه من بعض علوم هذا المنزل وهو العلم الذي يدور عليه فنقول إن العالم عالمان والحضرة حضرتان وإن كان قد تولد بينهما حضرة ثالثة من مجموعهما فالحضرة الواحدة حضرة الغيب ولها عالم يقال له عالم الغيب والحضرة الثانية هي حضرة الحس والشهادة ويقال لعالمها عالم الشهادة ومدرك هذا العالم بالبصر ومدرك عالم الغيب بالبصيرة والمتولد من اجتماعهما حضرة وعالم فالحضرة حضرة الخيال والعالم عالم الخيال وهو ظهور المعاني في القوالب المحسوسة كالعلم في صورة اللبن والثبات في الدين في صورة القيد والإسلام في صورة العمد والايمان في صورة العروة وجبريل في صورة دحية الكلبي وفي صورة الأعرابي وتمثل لمريم في صورة بشر سوى كما ظهر السواد في جسم العفص والزاج عند اجتماعهما ولم يكن لهما ذلك الوصف في حال افتراقهما ولذلك كانت حضرة الخيال أوسع الحضرات لأنها تجمع العالمين عالم الغيب وعالم الشهادة فإن حضرة الغيب لا تسع عالم الشهادة فإنه ما بقي فيها خلاء وكذلك حضرة الشهادة فقد علمت إن حضرة الخيال أوسع بلا شك وأنت قد عاينت في حسك وعلى ما تعطيه نشأتك في نفسك المعاني والروحانيين يتخيلون ويتمثلون في الأجساد المحسوسة في نظرك بحيث إذا وقع أثر في ذلك المتصور تأثر المعنى المتصور فيه في نفسه ولا شك إنك أحق بحضرة الخيال من المعاني ومن الروحانيين فإن فيك القوة المتخيلة وهي من بعض قواك التي أوجدك الحق عليها فأنت أحق بملكها والتصرف فيها من المعنى إذ المعنى لا يتصف بأن له قوة خيال ولا الروحانيين من الملأ الأعلى بأن لهم في نشأتهم قوة خيال ومع هذا فلهم التميز في هذه الحضرة الخيالية بالتمثل والتخيل فأنت أولى بالتخيل والتمثل منهم حيث فيك هذه الحضرة حقيقة فالعامة لا تعرفها ولا تدخلها إلا إذا نامت ورجعت القوي الحساسة إليها والخواص يرون ذلك في اليقظة لقوة التحقق بها فتصور الإنسان في عالم الغيب في حضرة الخيال أقرب وأولى ولا سيما وهو في نشأته له في عالم الغيب دخول بروحه الذي هو باطنه وله في عالم الشهادة دخول بجسمه الذي هو ظاهره والروحاني ليس كذلك وليس له دخول في عالم الشهادة إلا بالتمثل في عالم الخيال فيشهده الحس في الخيال صورة ممثلة نوما ويقظة فإن تميز الإنسان في عالم الغيب فله ذلك فإنه يتميز فيه حقيقة لا خيالا من حيث روحه الذي لا يدركه الحس وهو من عالم الغيب وإن أراد أن يتروحن بجسمه ويظهر به في عالم الغيب وجد المساعد وهو روحه المرتبط بتدبيره فهو أقرب إلى التمثل في عالم الغيب من الروحاني المتمثل في صورة عالم الشهادة ولكن هذا المقام يكتسب وينال مثل قضيب ألبان رحمه الله فلقد كان له هذا المقام ففي قوة الإنسان ما ليس في قوة عالم الغيب فإن في قوة الإنسان من حيث روحه التمثل في غير صورته في عالم الشهادة فيظهر الإنسان في أي صورة شاء من صور بني آدم أمثاله وفي صور الحيوانات والنبات والحجر وقد وقع ذلك منهم ولقد أخبرني شيخ من شيوخ طريق الله وهو عندي ثقة عدل وفاوضته في هذه المسألة فقال أنا أخبرك بما شاهدته من ذلك تصديقا لقولك وذلك أني صحبت رجلا ممن له هذا المقام ولم يكن عندي من ذلك خبر فسألته الصحبة من بغداد إلى الموصل في ركب الحاج عند رجوعه فقال لي إذا عزمت فلا تبتدئني بشئ من مأكول ومشروب حتى أكون أنا الذي أطلبه منك فعاهدته على ذلك وكان قد أسن فركب في شقة محارة وأنا أمشي على قدمي قريبا منه لئلا تعرض له حاجة إلي فمرض بعلة الإسهال وضعف فصعب ذلك علي وهو لا يتداوى بما يقطعه ويزيل عنه القيام قال فقلت له يا سيدي أروح لي هذا الرجل الذي على سبيل صاحب سنجار آخذ من المارستان دواء قابضا فنظر إلي كالمنكر وقال الشرط أملك فسكت عنه قال فزاد به الحال فما قدرت على السكوت فلما نزل الركب بالليل وأسرجت المشاعل وقصد صاحب سبيل سنجار وكان خادما أسود وقد وقفت الرجال بين يديه وأصحاب العلل يجيئون إليه يطلبون منه الأدوية بحسب عللهم وأمراضهم فقلت له يا مولاي أرح قلبي وفرج عني بأن تأمرني
(٤٢)