الأصل وهو قوله تعالى الذي خلقك فسواك فعدلك وهي هذه النشأة الظاهرة ثم قال في أي صورة ما شاء ركبك أي هذه النشأة المسواة المعدلة قابلة لجميع الصور فيجليه الله تعالى في أي صورة شاء فأعلمنا أن هذه النشأة تعطي القبول لأي صورة كانت وكذلك قوله ثم أنشأناه خلقا آخر بعد الفراغ من تسوية صورة الإنسان الظاهر فعين له صورة من الصور التي في قوته وتركيبه أن يقبلها فإذا علم الإنسان بالكشف الإلهي أنه على أصل وحقيقة تقبل الصور فيتعمل في تحصيل أمر يتوصل به إلى معرفة الأمر فإذا فتح له فيه ظهر في عالم الشهادة في أي صورة من صور عالم الشهادة شاء وظهر في عالم الغيب والملكوت في أي صورة من صوره شاء غير أن الفرق بيننا وبين عالم الغيب إن الإنسان إذا تروحن وظهر للروحانيين في عالم الغيب يعرفون أنه جسم تروحن والناس في عالم الشهادة إذا أبصروا روحا تجسد لا يعلمون أنه روح تجسد ابتداء حتى يعرفوا بذلك كما قال ع حين دخل عليه الروح الأمين في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر قال الراوي لا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى رسول الله ص فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وذكر حديث سؤاله إياه عن الإسلام والايمان والإحسان والساعة وما لها من الشروط فلما فرع من سؤاله قام ينصرف فلما غاب قال النبي ص لأصحابه أتدرون من الرجل وفي رواية ردوا على الرجل فالتمس فلم يجدوه فقال ص هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم غير أن بعض الناس يعرفون الروحاني إذا تجسد من خارج من غيره من الناس أو من جنس تلك الصورة التي يظهر فيها وما كل أحد يعرف ذلك ويفرقون أيضا بين الصورة الروحانية المعنوية المتجسدة وبين الصورة الممثلة من داخل بعلامات يعرفونها وقد علمتها وتحققتها فإني أعرف الروح إذا تجسد من خارج أو من داخل من الصورة الجسمية الحقيقية والعامة لا تعرف ذلك والملائكة كلهم يعرفون الإنسان إذا تروحن وظهر فيهم بصورة أحدهم أو بصورة غريبة لم يروا مثلها فيزيدون على عامة البشر بهذا وينقصهم أن يظهروا في عالمهم على صور بعضهم كما نظهر في عالمنا إذا كان لنا هذا المقام في صورة جنسنا فسبحان العليم الحكيم مقدر الأشياء والقادر عليها لا إله إلا هو العليم القدير واعلم أن أصل هذا الأمر الذي ذكرته في هذه المسألة إنما هو من العلم الإلهي في التجلي الإلهي فمن هناك ظهر هذا الأمر في عالم الغيب والشهادة إذ كان العالم بجملته والإنسان بنسخته والملك بقوته على صورة مقام التجلي في الصور المختلفة ولا يعرف حقيقة تلك الصور التي يقع التحول فيها على الحقيقة إلا من له مقام التحول في أي صورة شاء وإن لم يظهر بها وليس ذلك المقام إلا للعبد المحض الخالص فإنه لا يعطيه مقام العبودية أن يتشبه بشئ من صفات سيده جملة واحدة حتى أنه يبلغ من قوته في التحقق بالعبودية أنه يفنى وينسى ويستهلك عن معرفة القوة التي هو عليها من التحول في الصور بحيث أن لا يعرف ذلك من نفسه تسليما لمقام سيده إذ وصف نفسه بذلك ولولا هذا الأصل الإلهي وأن الحق له هذا وهو في نفسه عليه ما صح أن تكون هذه الحقيقة في العالم إذ يستحيل أن يكون في العالم أمر لا يستند إلى حقيقة إلهية في صورته التي يكون عليها ذلك الأمر ولو كان لكان في الوجود من هو خارج عن علم الله فإنه ما علم الأشياء إلا من علمه بنفسه ونفسه علمه ونحن في علمه كالصور في الهباء لو كنت تعلم يا فتى من أنت علمت من هو إذ لا يعلم الله إلا من يعلم نفسه قال ص من عرف نفسه عرف ربه فالحق علمك من نفسه وأعلمك أنك لا تعرفه إلا من نفسك فمن تفطن لهذا المعنى علم ما تقول وما نومئ إليه فأما حديث التجلي يوم القيامة فإنا أورده إن شاء الله كما ورد في الصحيح وذلك أنه خرج مسلم عن أبي سعيد الخدري أن ناسا في زمن رسول الله ص قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله ص نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة ليس معها سحاب وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال كذلك لا تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن لتتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا ويتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغير أهل الكتاب قال فتدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزيرا ونقول إنه ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله
(٤٤)