جملة واحدة أن يأمر الله أحدا بشريعة يتعبده بها في نفسه أو يبعثه بها إلى غيره وما نمنع أن يعلمه الحق على الوجه الذي نقرره وقرره أهل طريقنا بالشرع الذي تعبده به على لسان الرسول ع من غير أن يعلمه ذلك عالم من علماء الرسوم بالمبشرات التي أبقيت علينا من آثار النبوة وهي الرؤيا يراها الرجل المسلم أو ترى له وهي حق ووحي ولا يشترط فيها النوم لكن قد تكون في النوم وفي غير النوم وفي أي حالة كانت فهي رؤيا في الخيال بالحس لا في الحس والمتخيل قد يكون من داخل في القوة وقد يكون من خارج بتمثل الروحاني أو التجلي المعروف عند القوم ولكن هو خيال حقيقي إذا كان المزاج المستقيم المهيا للحق فإذا ورد الملك على النبي ع بحكم أو بعلم خبري وإن كان الكل من قبيل الخبر ولقي تلك الصورة الروح الإنساني وتلاقى هذا بالإصغاء وذلك بالإلقاء وهما نوران احتد المزاج واشتعل وتقوت الحرارة الغريزية المزاجية في النورين وزادت كميتها فتغير وجه الشخص لذلك وهو المعبر عنه بالحال وهو أشد ما يكون وتصعد الرطوبات البدنية بخارات إلى سطح كرة البدن لاستيلاء الحرارة فيكون من ذلك العرق الذي يطرأ على أصحاب هذه الأحوال للانضغاط الذي يحصل بين الطبائع من التقاء الروحين ولقوة الهواء الحار الخارج من البدن بالرطوبات تغمر المسام فلا يتخلله الهواء البارد من خارج فإذا سرى عن النبي وعن صاحب الحال وانصرف الملك من النبي والرقيقة الروحانية من الولي سكن المزاج وانفشت تلك الحرارة وانفتحت المسام وقبل الجسم الهواء البارد من خارج فتخلل الجسم فيبرد المزاج فيزيد في كمية البرودة وتستولي على الحرارة وتضعفها فذلك هو البرد الذي يجده صاحب الحال ولهذا تأخذه القشعريرة فيزاد عليه الثياب ليسخن ثم بعد ذلك يخبر بما حصل له في تلك البشرى إن كان وليا أو في ذلك الوحي إن كان نبيا وهذا كله إذا كان التنزيل على القلب بالصفة الروحانية فإن كان نفثا فهو الإلهام وهذا يكون للولي وللنبي وأما إن حدث فسمع من غير رؤية فهو المحدث وأما إن تراءى له الملك إن كان نبيا في زمان وجود النبوة أو تراءت له الرقيقة رجلا ممثلا أو صورة حيوان يخاطبه بما جاء به إليه فإن كان وليا فيعرضه على الكتاب والسنة فإن وافق رآه خطاب حق وتشريف لا غير لا زيادة حكم ولا إحداث حكم لكن قد يكون بيان حكم أو أعلاما بما هو الأمر عليه فيرجع ما كان مظنونا معلوما عنده وإن لم يوافق الكتاب والسنة رآه خطاب حق وابتلاء لا بد من ذلك فعلم قطعا إن تلك الرقيقة ليست برقيقة ملك ولا بمجلى إلهي ولكن هي رقيقة شيطانية فإن الملائكة ليس لها مثل هذا المقام وإنها أجل من ذلك وأكثر ما يطرأ هذا على أهل السماع من الحق في الخلق فما بقي للأولياء اليوم بعد ارتفاع النبوة إلا التعريف وانسدت أبواب الأوامر الإلهية والنواهي فمن ادعاها بعد محمد فهو مدع شريعة أوحي بها إليه سواء وافق بها شرعنا أو خالف وأما في غير زماننا قبل رسول الله ص فلم يكن تحجير ولذلك قال العبد الصالح خضر وما فعلته عن أمري فإن زمانه أعطى ذلك وهو على شريعة من ربه وقد شهد له الحق بذلك عند موسى وعندنا وزكاه وأما اليوم فإلياس والخضر على شريعة محمد ص إما بحكم الوفاق أو بحكم الاتباع وعلى كل حال فلا يكون لهما ذلك إلا على طريق التعريف لا على طريق النبوة وكذلك عيسى ع إذا نزل فلا يحكم فينا إلا بسنتنا عرفه الحق بها على طريق التعريف لا على طريق النبوة وإن كان نبيا فتحفظوا يا إخواننا من غوائل هذا الموطن فإن تمييزه صعب جدا وتستحليه النفوس ويطرأ عليها فيه التلبيس لتعشقها به وإذا أنس المحل بمثل هذا الإلقاء الذي ذكرناه هان عليه حمله وما يكون فيه كمثله حين يفجأه وإن الله إذا تكلم بالوحي فكأنه سلسلة على صفوان فتصعق الأرواح عند سماعها ويكون العلم الذي يحصل لها في تلك الصلصلة كالعلم الذي حصل من الضرب بين الكتفين وكالعلم الحاصل من النظر سؤالا وجوابا واستفادة علوم كثيرة من مجرد ضرب أو نظر وقد رأينا هذا كله بحمد الله من نفوسنا فلا نشك فيه وما أشبهه إلا بأبواب مغلقة فإذا فتحت الأبواب وتجلى لك ما وراءها أحطت بالنظرة الواحدة علما بها كما يفتح الإنسان عينه في اللمحة الواحدة فيدرك من الأرض إلى فلك البروج ثم الذي يجده صاحب هذا الأمر من ثلج برد اليقين ما لا يقدر قدره ولتلك الحرارة التي قلنا توجد عند الإلقاء كان رسول الله ص يقول عند افتتاح كل صلاة وفي أكثر الأحوال اللهم اغسلني بالثلج والماء البارد والبرد فهذه ثلاثة كلها بوارد
(٣٩)