الشبهات وهو كل معلوم يظهر فيه وجه للحق ووجه لغير الحق فيكون في الأرزاق ما هو حلال بين وحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن لاحت له وقف عندها حتى يتبين له أمرها فأما إن يلحقها بالحلال وإما أن يلحقها بالحرام فلا يقدم عليها ما دامت في حقه شبهة فإنها في نفس الأمر مخلصة لأحد الجانبين وإنما اشتبه على المكلف لتعارض الأدلة الشرعية عنده في ذلك وفي المعقولات كالأفعال الظاهرة على أيدي المخلوقين فيها وجه يدل أنها لله ووجه يدل أنها للمخلوق التي ظهرت في الشهادة عليه وهي في نفس الأمر مخلصة لأحد الجانبين وكذلك السحر والمعجزة فالسحر له وجه إلى الحق فيشبه الحق وله وجه إلى غير الحق فيشبه الباطل مشتق من السحر وهو اختلاط الضوء والظلمة فلا يتخلص لأحد الجانبين ولما سحر رسول الله ص فكان يخيل إليه أنه يأتي نساءه وهو لم يأتهن فأتاهن حقيقة في عين الخيال ولم يأتهن حقيقة في عين الحس فهو لما حكم عليه وهذه مسألة عظيمة وإذا أراد من أراد إبطال السحر ينظر إلى ما عقده الساحر فيعطي لكل عقدة كلمة يحلها بها كانت ما كانت فإن نقص عنها بالكلمات بقي الأمر عليه فإنه ما يزول عنه إلا بحل الكل وهو علم إلهي فإن النبي ص يقول إن روح القدس نفث في روعي ولا يكون النفث إلا ريحا بريق لا بد من ذلك حتى يعم فكما أعطاه من روحه بريحة أعطاه من نشأته الطبيعية من ريقه فجمع له الكل في النفث بخلاف النفخ فإنه ريح مجرد وكذلك السحر وهو الرئة وهي التي تعطي الهواء الحار الخارج والهواء البارد الداخل وفيها القوتان الجاذبة والدافعة فسميت سحرا لقبولها النفس الحار والبارد وبما فيها من الرطوبة لا تحترق بقبول النفس الحار ولهذا يخرج النفس وفيه نداوة فذلك مثل الريق الذي يكون في النفث الذي ينفثه الروح في الروع والساحر في العقدة ويتضمن علم الفرق بين من يريد بسط رحمة الله على عباده طائعهم وعاصيهم وبين من يريد إزالة رحمة الله عن بعض عباده وهو الذي يحجر رحمة الله التي وسعت كل شئ ولا يحجرها على نفسه وصاحب هذه الصفة لولا إن الله سبقت رحمته غضبه لكان هذا الشخص ممن لا يناله رحمة الله أبدا واعلم أن الله تعالى لما أوجد الأشياء عن أصل هو عينه وصف نفسه بأنه مع كل شئ حيث كان ذلك الشئ ليحفظه بما فيه من صورته لإبقاء ذلك النوع في الوجود فظهرت كثرة الصور عن صورة واحدة هي عينها بالحد وغيرها بالشخص كما قلنا في الحبوب عن الحبة الواحدة فهي خزانة من خزائن الجود لما يشبهها ولما يلزمها وإن خالفها في الصورة إذ الخزانة تخزن خزائن وتخزن ما في تلك الخزائن من المخزون فيها فهو وإن خرج عن غير صورتها فلا بد من جامع يجمع بينهما وأظهرها الجسمية في الحبة والورق والثمر والجسد والفروع والأصول وهذا مشهود لكل عين من الحبة الواحدة أو البزرة الواحدة زائدا على الأمثال فالكامل من الخلفاء كالحبوب من الحبة والنوى من النواة والبزور من البزرة فيعطي كل حبة ما أعطته الحبة الأصلية لاختصاصها بالصورة على الكمال وما تميزت إلا بالشخص خاصة وما عدا الخلفاء من العالم فلهم من الحق ما للأوراق والأغصان والأزهار والأصول من النواة أو البزرة أو الحبة ومن هنا يعلم فضل الإنسان الخليفة على الإنسان الحيوان الذي هو أقرب شبها بالإنسان الكامل ثم على سائر المخلوقات فافهم ما بيناه فإنه من لباب العلم بالله الذي أعطاه الكشف والشهود فإن قلت بما ذا أعلم من نفسي هل أنا من الكمل أو من الحيوان الذي يسمى إنسانا قلنا نعم ما سألت عنه فاعلم إنك لا تعلم أنك على الصورة ما لم تعلم قوله ص المؤمن مرآة أخيه فيرى المؤمن نفسه في مرآة أخيه ويرى الآخر نفسه فيه وليس ذلك إلا في حضرة الاسم الإلهي المؤمن وقال إنما المؤمنون إخوة وقال المؤمن كثير بأخيه كما أنه واحد بنفسه فيعلم إن الأسماء الإلهية كلها كالمؤمنين إخوة فأصلحوا بين أخويكم يعني إذا تنافروا كالمعز والمذل والضار والنافع وأما ما عدا الأسماء المتقابلة فهم إخوان على سرر متقابلين وليس يصلح بين الأسماء إلا الاسم الرب فإنه المصلح والمؤمن من حيث ما هو مرآة فمن رأى نفسه هكذا علم أنه خليفة من الخلفاء بما رآه من الصورة وهذا الإنسان الحيوان لا مرآة له وإن كان له شكل المرآة لكنها ما فيها جلاء ولا صقالة قد طلع عليها الصدا والران فلا تقبل صورة الناظر فلا تسمى
(٣٧٠)