من الجن والإنس مؤمنا وكذلك شرك بينهما في الشيطنة فقال تعالى شياطين الإنس والجن وقال الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس وقد علمنا إن النفس بذاتها وإن كانت مقيدة لا تشتهي التقييد بذاتها وتطلب السراح والتصرف بما يخطر لها من غير تحجير فإذا رأيت النفس قد حبب إليها التحجير فقامت به طيبة وكره إليها تحجير آخر فقامت به إن قامت غير طيبة مكرهة فتعلم قطعا إن ذلك التحجير مما ألقى إليها من غير ذاتها كان التحجير ما كان فإذا حبب إلى نفوس العامة القيام بتحجير خاص فتعلم قطعا إن ذلك التحجير هو الباطل الذي يؤدي العمل به إلى شقاوة العامل به والواقف عنده فإن الشيطان الذي يوسوس في صدره يوسوس إليه دائما ويحببه إليه لأن غرضه أن يشقيه وإذا رأيته يكره ذلك التحجير ويطلب تأويلا في ترك العمل به فتعلم إن ذلك تحجير الحق الذي يحصل للعامل به السعادة إلا أهل الكشف الذين حبب الله إليهم الايمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان وإن لم يعرفوا أنهم كشف لهم ولكن علمناه نحن منهم وهم لا يعلمونه من نفوسهم ولهذا نرى من ليس بمسلم يثابر على دينه وملازمته كأكثر اليهود والنصارى أكثر مما يثابر المسلم على إقامة جزئيات دينه ومثابرته على ذلك دليل على أنه على طريق يشقى بسلوكه عليها وهذا من مكر الله الخفي الذي لا يشعر به كل أحد إلا من كان على بصيرة من ربه وهذا الصنف قليل ولا يوجد في الجن لا في مؤمنهم ولا في كافرهم من يجهل الحق ولا من يشرك ولهذا ألحقوا بالكفار ولم يلحقهم الله بالمشركين وإن كانوا هم الذين يجعلون الإنس أن يشركوا فإذا أشركوا تبرءوا ممن أشرك كما قال تعالى كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر وهو وحي الشيطان إلى وليه ليجادل بالباطل أهل الحق فإذا كفر يقول له إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين فوصف الشيطان بالخوف من الله ولكن على ذلك الإنسان لا على نفسه فخوف الشيطان على الذي قبل إغواءه لا على نفسه كما تخاف الأنبياء ع يوم القيامة على أممهم لا على أنفسهم وسبب ارتفاع الخوف من الشيطان على نفسه علمه بأنه من أهل التوحيد ولهذا قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين فأقسم به تعالى لعلمه بربه كأنه يرى الحق أنه قد علم من نشأة الإنسان قبوله لكل ما يلقي إليه فلما سأل ذلك أجاب الله سؤاله فأمره بما أغوى به الإنس فقال له اذهب يعني إلى ما سألته مني وذكر له جزاءه وجزاءه وجزاء من اتبعه من الإنس فكان جزاء الشيطان إن رده إلى أصله الذي منه خلقه وجزاء الإنسان الذي اتبعه كذلك ولكن غلب جزاء الإنسان على جزاء إبليس فإن الله ما جعل جزاءهما إلا جهنم وفيها عذاب إبليس فإن جهنم برد كلها ما فيها شئ من النارية فهو عذاب لإبليس أكثر منه لمتبعه وإنما كان ذلك لأن إبليس طلب أن يشقي الغير فحار وباله عليه لما قصده فهو تنبيه من الحق لنا أن لا نقصد وقوع ما يؤدي إلى الشقاء لأحد فإن ذلك نعت إلهي ولذلك أبان الله طريق الهدى من طريق الضلالة فالعبد المستقيم هو الذي يكون على صراط ربه مع أن الشيطان تحت أمر ربه في قوله اذهب واستفزز وأجلب وشاركهم وعدهم وهذه كلها أوامر إلهية فلو كانت ابتداء من الله ما شقي إبليس ولما كانت إجابة له لما قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ولأحتنكن ذريته شقي بها كما تعب المكلف فيما سأله من التكليف فإن الشرع منه ما نزل ابتداء ومنه ما نزل عن سؤال ولولا إن الرحمة شاملة لكان الأمر كما ظهر في العموم ولما قيدت هذا الوصل غفوت غفوة فرأيت في المبشرة يتلى على شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى إن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه من الوحدة فهو كثير بالأحكام فإن له الأسماء الحسنى وكل اسم علامة على حقيقة معقولة ليست هي الأخرى ووجوه العالم في خروجه من العدم إلى الوجود كثيرة تطلب تلك الأسماء أعني المسميات وإن كانت العين واحدة كما إن العالم من حيث هو عالم واحد وهو كثير بالأحكام والأشخاص ثم تلي على الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وما ذكر لشقي هنا نعتا ولا حالا بل ذكر الأمر بين اجتباء وهداية ثم قيل لي من علم الهداية والاجتباء علم ما جاءت به الأنبياء وكلا الأمرين إليه فمن اجتباه إليه جاء به إليه ولم يكله إلى نفسه ومن هداه إليه أبان له الطريق الموصلة إليه ليسعده وتركه ورأيه فأما شاكرا وإما كفورا إنا هديناه السبيل ولما جاء تعالى في هذه الآية العامة ولم يذكر للشقاوة اسما ولا عينا وذكر الاجتباء والهداية وهو البيان هنا وجعل الأمرين إليه علمنا إن الحكم للرحمة التي وسعت
(٣٦٨)