معين بالتأريخ عندي بمدينة تونس فجئت إشبيلية وبينهما مسيرة ثلاثة أشهر للقافلة فاجتمع بي إنسان لا يعرفني فأنشدني بحكم الاتفاق تلك الأبيات عينها ولم أكن كتبتها لأحد فقلت له لمن هي هذه الأبيات فقال لي لمحمد بن العربي وسماني فقلت له ومتى حفظتها فذكر لي التاريخ الذي عملتها فيه والزمان مع طول هذه المسافة فقلت له ومن أنشدك إياها حتى حفظتها فقال لي كنت جالسا في ليلة بشرق إشبيلية في مجلس جماعة على الطريق ومر بنا رجل غريب لا نعرفه كأنه من السياح فجلس إلينا فتحدث معنا ثم أنشدنا هذه الأبيات فاستحسناها وكتبناها فقلنا له لمن هذه الأبيات فقال لفلان وسماني لهم فقلنا له فهذه مقصورة ابن مثنى ما نعرفها ببلادنا فقال هي بشرقي جامع تونس وهنالك عملها في هذه الساعة وحفظتها منه ثم غاب عنا فلم ندر ما أمره ولا كيف ذهب عنا وما رأيناه ولقد كنت بجامع العديس بإشبيلية يوما بعد صلاة العصر وشخص يذكر لي عن رجل كبير من أهل الطريق من أكابرهم اجتمع به في خراسان فذكر لي فضله وإذا بشخص أنظر إليه قريبا منا والجماعة معي لا تراه فقال لي أنا هو هذا الشخص الذي يصفه لك هذا الرجل الذي اجتمع بنا في خراسان فقلت للرجل المخبر إن هذا الرجل الذي رأيته بخراسان أتعرف صفته فقال نعم فأخذت أنعته له بآثار كانت فيه وحلية في خلقه فقال الرجل هو والله على صورة ما وصفت هل رأيته فقلت له هو ذا جالس يصدقك عندي فيما تخبر به عنه وما وصفته لك إلا وأنا أنظر إليه وهو عرفني بنفسه ولم يزل معي جالسا حتى انصرفت فطلبته فلم أجده وأما الأبيات التي أنشدنيها لي فهي هذه مقصورة ابن مثنى * أمسيت فيها معنى * بشادن تونسي * حلوا للما يتمنى خلعت فيه عذاري * فأصبح الجسم مضنى * سألته الوصل لما * رأيته يتجنى وهز عطفيه عجبا * كالغصن إذ يتثنى * وقال أنت غريب * إليك يا هذا عنا فذبت شوقا ويأسا * ومت وجدا وحزنا وهذا الصبي يقال له أحمد بن الإدريسي من تجار البلد كان أبوه وكان شابا صالحا يحب الصالحين ويجالسهم وفقه الله وكان هذا المجلس بيني وبينه سنة تسعين وخمسمائة ونحن الآن في سنة خمس وثلاثين وستمائة وفيه علم ما يحمد من الجدال وما يذم منه ولا ينبغي لمسلم ممن ينتمي إلى الله أن يجادل إلا فيما هو فيه محق عن كشف لا عن فكر ونظر فإذا كان مشهودا له ما يجادل عنه حينئذ يتعين عليه الجدال فيه بالتي هي أحسن إذا كان مأمورا بأمر إلهي فإن لم يكن مأمورا فهو بالخيار فإن تعين له نفع الغير بذلك كان مندوبا إليه وإن يئس من قبول السامعين له فليسكت ولا يجادل فإن جادل فإنه ساع في هلاك السامعين عند الله وفيه علم قول الإنسان إنا مؤمن إن شاء الله مع علمه في نفسه في ذلك الوقت أنه مؤمن وهذه مسألة عظيمة الفائدة لمن نظر فيها تعلمه الأدب مع الله إذا لم يتعد الناطق بها الموضع الذي جعلها الله فيه فإن تعداه ولم يقف عنده أساء الأدب مع الله ولم ينجح له طلب وفيه علم الشئ الذي يذكرك بالأمر الذي كنت قد علمته ثم نسيته وفيه علم الزيادة في الزمان والنقصان لما ذا ترجع وقول النبي ص قد يكون الشهر تسعا وعشرين لعائشة في إيلائه من نسائه وبما ذا ينبغي الأخذ من ذلك في الحكم الشرعي هل بأقل ما ينطلق عليه اسم الشهر أو بأكثر وفيه علم إيثار صحبة أهل الله على الغافلين عن الله وإن شملهم الايمان وفيه علم ما ينبغي لجلال الله أن يعامل به سواء أرضى العالم أم أسخطه وفيه علم المياه وهو علم غريب وما حد الري منها في المرتوي من الماء الذي يروي فإن من الماء ما يروي ومنه ما لا يروي وما هو الماء الذي جعل الله منه كل شئ حي هل هو كل ماء أو له خصوص وصف من بين المياه ووصف الماء الذي خلق الله منه بني آدم بالمهانة فقال خلقنا الإنسان من ماء مهين وفيه علم علامة من أسعده الله ممن أشقاه في الحياة الدنيا وفيه علم ما هي الدنيا في نفسها وما حياتها وما زينتها وفيه علم ما يبقى وما يفنى وما يقبل الفناء من العالم وما يقبل البقاء وفيه علم صورة الإحاطة بما لا يتناهى وما لا يتناهى لا يوصف بأنه محاط به لأنه يستحيل دخوله في الوجود وفيه علم أحوال الجان وتكليف الحق إياهم بالشرائع المنزلة من عنده هل هو تكليف ألزمهم الحق به ابتداء أو ألزموه أنفسهم فألزمهم الحق به كالنذر وفيه علم الفرق بين الفعل والمفعول وفيه علم من يقبل الإعانة في الفعل
(٣٣٩)