عنده علم بكلام الله عباده فإذا كلمه بالحجاب الصوري بلسان نبي أو من شاء الله من العالم فقد يصحبه الفهم وقد يتأخر عنه هذا هو الفرق بينهما وأما الأرزاق المحسوسة فإنه لا حكم له فيها إلا في بقية الله فمن أكل مما خرج عن هذه البقية لم يأكل من يد هذا الإمام العادل وليس مسمى رزق الله في حق المؤمنين إلا بقية الله وكل رزق في الكون من بقية الله وما بقي إلا أن يفرق بينهما وذلك أن جميع ما في العالم من الأموال لا يخلو إما أن يكون لها مالك معين أو لا يكون لها مالك فإن كان لها مالك معين فهي من بقية الله لهذا الشخص وإن لم يكن لها مالك معين فهي لجميع المسلمين فجعل الله لهم وكيلا هذا الإمام يحفظ عليهم ذلك فهذا من بقية الله الذي زاد على المال المملوك فكل رزق في العالم بقية الله إن عرفت معنى بقية الله فمال زيد بقية الله لزيد لما حجر الله عليه التصرف في مال عمرو بغير إذنه ومال عمرو بقية الله لعمرو لما حجر عليه التصرف في مال زيد بغير إذنه فما في العالم رزق إلا وهو بقية الله فيحكم الإمام فيه بقدر ما أنزل الله من الحكم فيه فاعلم ذلك فالناس على حالتين اضطرار وغير اضطرار فحال الاضطرار يبيح قدر الحاجة في الوقت ويرفع عنه حكم التحجير فإذا نال ما يزيلها به رجح عليه حكم التحجير فإن كان المضطر قد تصرف فيما هو ملك لأحد تصرف فيه بحكم الضمان في قول وبغير ضمان في قول فإن وجد أداه عند القائل بالضمان وإن لم يجد فإمام الوقت يقوم عنه في ذلك من بيت المال وإن كان المتصرف قد تصرف فيما لا يملكه أحد أو يملكه الإمام بحكم الوكالة المطلقة من الله له فلا شئ عليه لا ضمان ولا غيره وهذا علم يتعين المعرفة به على إمام الوقت لا بد منه فما تصرف أحد من المكلفين بالوجه المشروع إلا في بقية الله قال الله عز وجل بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وهو حكم فرعي وإنما الأصل إن الله خلق لنا ما في الأرض جميعا ثم حجر وأبقى فما أبقاه سماه بقية الله وما حجر سماه حراما أي المكلف ممنوع من التصرف فيه حالا أو زمانا أو مكانا مع التحجير فإن الأصل التوقف عن إطلاق الحكم فيه بشئ فإذا جاء حكم الله فيه كنا بحسب الحكم الإلهي الذي ورد به الشرع إلينا فمن عرف هذا عرف كيف يتصرف في الأرزاق وأما علم تداخل الأمور بعضها على بعض فهذا معنى قوله تعالى يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل فالمولج ذكر والمولج فيه أنثى هذا الحكم له مستصحب حيث ظهر فهو في العلوم العلم النظري وهو في الحس النكاح الحيواني والنباتي وليس شئ من ذلك مرادا لنفسه فقط بل هو مراد لنفسه ولما ينتجه ولولا اللحمة والسد لما ظهر للشفة عين وهو سار في جميع الصنائع العملية والعلمية فإذا علم الإمام ذلك لم تدخل عليه شبهة في أحكامه وهذا هو الميزان الموضوع في العالم في المعاني والمحسوسات والعاقل يتصرف بالميزان في العالمين بل في كل شئ له التصرف فيه وأما الحاكمون بالوحي المنزل أهل الإلقاء من الرسل وأمثالهم فما خرجوا عن التوالج فإن الله جعلهم محلا لما يلقي إليهم من حكمه في عباده قال تعالى نزل به الروح الأمين على قلبك وقال تعالى ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده فما ظهر حكم في العالم من رسول إلا عن نكاح معنوي لا في النصوص ولا في الحاكمين بالقياس فالإمام يتعين عليه علم ما يكون بطريق التنزيل الإلهي وبين ما يكون بطريق القياس وما يعلمه المهدي أعني علم القياس ليحكم به وإنما يعلمه ليتجنبه فما يحكم المهدي إلا بما يلقي إليه الملك من عند الله الذي بعثه الله إليه ليسدده وذلك هو الشرع الحقيقي المحمدي الذي لو كان محمد ص حيا ورفعت إليه تلك النازلة لم يحكم فيها إلا بما يحكم هذا الإمام فيعلمه الله أن ذلك هو الشرع المحمدي فيحرم عليه القياس مع وجود النصوص التي منحه الله إياها ولذلك قال رسول الله ص في صفة المهدي يقفو أثري لا يخطئ فعرفنا أنه متبع لا متبوع وأنه معصوم ولا معنى للمعصوم في الحكم إلا أنه لا يخطئ فإن حكم الرسول لا ينسب إليه خطأ فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى كما أنه لا يسوع القياس في موضع يكون فيه الرسول ص موجودا وأهل الكشف النبي عندهم موجود فلا يأخذون الحكم إلا عنه ولهذا الفقير الصادق لا ينتمي إلى مذهب إنما هو مع الرسول الذي هو مشهود له كما إن الرسول مع الوحي الذي ينزل عليه فينزل على قلوب العارفين الصادقين من الله التعريف بحكم النوازل أنه حكم الشرع الذي بعث به رسول الله ص وأصحاب علم الرسوم ليست لهم هذه المرتبة لما أكبوا عليه من حب الجاه والرياسة والتقدم على عباد الله وافتقار العامة إليهم فلا يفلحون في أنفسهم ولا
(٣٣٥)