وكلها منه ولكنه * كذا أتانا الحكم في شكلها فكل مخالف أمر الحق فإنه يستدعي بهذه المخالفة من الحق مخالفة غرضه ولذلك لا يكون العفو والتجاوز والمغفرة من الحق جزاء لمخالفة العبد في بعض العبيد وإنما يكون ذلك امتنانا من الله عليه فإن كان جزاء فهو جزاء لمن عفا عن عبد مثله وتجاوز وغفر لمن أساء إليه في دنياه فقام له الحق في تلك الصفة من العفو والصفح والتجاوز والمغفرة مثلا بمثل يدا بيدها وها ورد في الخبر الصحيح عن رسول الله ص ما كان الله لينهاكم عن الربا ويأخذه منكم فما نهى الله عباده عن شئ إلا كان منه أبعد ولا أمركم بكريم خلق إلا كان الحق به أحق واعلم أن هذا المنزل هو منزل الميراث المعنوي وهو منزل الشريعة وكون الحياة شرطا في جميع وجود النسب المنسوبة إلى الله وهذه النسبة أوجبت له سبحانه أن يكون له اسمه الحي فجميع الأسماء الإلهية موقوفة عليه ومشروطة به حتى الاسم الله فالإسم الله هو المهيمن على جميع الأسماء التي من جملتها الحي ونسبة الاسم الحي لها المهيمنية على جميع النسب الأسمائية حتى نسبة الألوهة التي بها تسمى الله الله قال ص العلماء ورثة الأنبياء وما ورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر وقال نحن معاشر الأنبياء لا نرث ولا نورث ما تركنا صدقة يعني الورث أي ما يورث من الميت من المال فلم يبق الميراث إلا في العلم والحال والعبارة عما وجدوه من الله في كشفهم وأهل النظر في نظرهم وهؤلاء هم العلماء الذين يخشون الله لعلمهم بأنه يعلم حركاتهم وسكناتهم على التعيين والتفصيل فإنه الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين وفي جميع أحوالك فأبان ص إن الأنبياء لهم التقدم فإنهم لا يورثون حتى ينقلبوا إلى الله من هذه الدار فكل ما يناله المتبع لنبي خاص في حياته فإنه إنعام من ذلك النبي لا ميراث وكل ما ناله من نبي قد مات فذلك علم موروث فكل وارث علم في زمان فإنما يرث من تقدمه من الأنبياء ع لا من تأخر عنه فوراثة عالم كل أمة كانت لنبي قبل رسول الله ص فوراثة جزئية وهذه الأمة المحمدية لما كان نبيها محمد ص آخر الأنبياء وكانت أمته خير الأمم صح للوارث منهم أن يرثه ويرث جميع الأنبياء ع ولا يكون هذا أبدا في عالم أمة متقدمة قبل هذه الأمة فلهذا كانت أفضل أمة أخرجت للناس لأنها زادت على الوارثين بأمر لم ينله إلا هذه الأمة فكل وارث نبي فعلمه من فيض نور من ورثه من الله ونظره سبحانه إلى أنبيائه أتم النظر فعلم الورثة أتم العلوم وكل علم لا يكون عن ورث فإنه ليس بعلم اختصاص كعلم أصحاب الفترات فإن علمهم ليس بعلم وراثة وإن كانوا علماء ولكنهم لم يكونوا متبعين لنبي لأنه لم يبعث إليهم وليسوا بأنبياء فما كان لهم من الله نظرة الأنبياء فنزلوا عن درجة الورثة في العلم وعلموا إن لله أنبياء وأما الذين لا يقرون بالأنبياء ولا بالنبوة على ما هي عليه في نفسها ويرون أن مسمى الأنبياء إنما هو لمن صفى جوهرة نفسه من كدورات الشهوات الطبيعية والتزم مكارم الأخلاق العرفية وإنه إذا كان بهذه المثابة انتقش في نفسه ما في العالم العلوي من الصور بالقوة فنطق بعلم الغيوب وليست النبوة عندنا ولا هي في نفسها كذلك ولا بد وقد تكون في بعض الأشخاص على ما قالوه ولكن مع جواز ما ذكروه من نقش ما في العالم من الصور بالقوة في نفس هذا الشخص مما وقع في الوجود ولا يقع في جزئيات الأمور فإن الذي في حركات الأفلاك وسباحة الكواكب وفي السماوات من العلوم التي تكون من آثارها لا علم لها بذلك من كوكب وسماء وفلك وملك فيعرف هذا الشخص منها ما لا تعرف من نفسها وما ذكر عن أحد من نبي ولا حكيم أنه أحاط علما بما يحوي عليه حاله في كل نفس نفس إلى حين موته بل يعلم بعضا ولا يعلم بعضا مع علمنا إن الله عز وجل أوحى في كل سماء أمرها وأن الله قد أودع اللوح المحفوظ علمه في خلقه بما يكون منهم إلى يوم القيامة ولو سئل اللوح ما فيك أو ما خط القلم فيك من علم الله عز وجل ما علم فإن الله أودع ذلك كله في نظره لمن هو دونه ولا يعلم ما يكون عن ذلك النظر من الأثر إلا الله فإن الأثر ما بظهر عن النظر بل عن استعداد القابل ولهذا قال وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر فانظر في لمحة البصر الواحد ما تدرك من المنظورات وهذا الأمر وإن كان واحدة فإنه بالوجود مختلف لاختلاف القوابل في الاستعداد فلا يعلم الأمور على التفصيل إلا الله وحده ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء وكل صاحب مجاهدة وخلوة وتصفية نفس على غير شريعة ولا مؤمن بها على ما هي عليه في
(٣٢٢)