الولي حدثني قلبي عن ربي وقد يترجم المترجم عن ألسنة الأحوال وليس من هذا الباب بل ذلك من باب آخر يرجع إلى عين الفهم بالأحوال وهو معلوم عند علماء الرسوم وعلى ذلك يخرجون قوله تعالى وإن من شئ إلا يسبح بحمده يقولون يعني بلسان الحال وكذلك قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها فجعلوا هذه الإباية والإشفاق حالا لا حقيقة وكذلك قوله عنهما قالتا أتينا طائعين قول حال لا قول خطاب وهذا كله ليس بصحيح ولا مراد في هذه الآيات بل الأمر على ظاهره كما ورد هكذا يدركه أهل الكشف فإذا ترجموا عن الموجودات فإنما يترجمون عما تخاطبهم به لا عن أحوالهم إذ لو نطقوا لقالوا هذا وأصحاب هذا القول انقسموا على قسمين فبعضهم يقول إن كان هذا وأمثاله نطقا حقيقة وكلاما فلا بد أن يخلق في هؤلاء الناطقين حياة وحينئذ يصح أن يكون حقيقة وجائز أن يخلق الله فيهم حياة ولكن لا علم لنا بذلك إن الأمر وقع كما جوزناه أو هو لسان حال فأما أصحاب ذاك القول فكذا وقع في نفس الأمر لأن كل ما سوى الله حي ناطق في نفس الأمر فلا معنى للأحوال مع هذا عند أهل الكشف والوجود وأما القسم الآخر وهم الحكماء فقالوا إن هذا لسان حال ولا بد لأنه من المحال أن يحيا الجماد وهذا قول محجوب بأكثف حجاب فما في العالم إلا مترجم إذا ترجم عن حديث إلهي فافهم ذلك وأما تعيين المراتب لولاة الأمر فهو العلم بما تستحقه كل مرتبة من المصالح التي خلقت لها فينظر صاحب هذا العلم في نفس الشخص الذي يريد أن يوليه ويرفع الميزان بينه وبين المرتبة فإذا رأى الاعتدال في الوزن من غير ترجيح لكفة المرتبة ولاة وإن رجح الوالي فلا يضره وإن رجحت كفة المرتبة عليه لم يوله لأنه ينقص عن علم ما رجحه به فيجور بلا شك وهو أصل الجور في الولاة ومن المحال عندنا إن يعلم ويعدل عن حكم علمه جملة واحدة وهو جائز عند علماء الرسوم وعندنا هذا الجائز ليس بواقع في الوجود وهي مسألة صعبة ولهذا يكون المهدي يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يعني الأرض فإن العلم عندنا يقتضي العمل ولا بد وإلا فليس بعلم وإن ظهر بصورة علم والمراتب ثلاثة وهي التي ينفذ فيها حكم الحاكم وهي الدماء والأعراض والأموال فيعلم ما تطلبه كل مرتبة من الحكم الإلهي المشروع وينظر في الناس فمن رأى أنه جمع ما تطلبه تلك المرتبة نظر في مزاج ذلك الجامع فإن رآه يتصرف تحت حكم العلم علم أنه عاقل فولاه وإن رآه يحكم على علمه وأن علمه معه مقهور تحت حكم شهوته وسلطان هواه لم يوله مع علمه بالحكم قال بعض الملوك لبعض جلسائه من أهل الرأي والنظر الصحيح حين استشاره فقال له من ترى إن أولي أمور الناس فقال ول على أمور الناس رجلا عاقلا فإن العاقل يستبرئ لنفسه فإن كان عالما حكم بما علم وإن لم يكن عالما بتلك الواقعة ما حكمها حكم عليه عقله إن يسأل من يدري الحكم الإلهي المشروع في تلك النازلة فإذا عرفه حكم فيها فهذا فائدة العقل فإن كثيرا ممن ينتمي إلى الدين والعلم الرسمي تحكم شهوتهم عليهم والعاقل ليس كذلك فإن العقل يأبى إلا الفضائل فإنه يقيد صاحبه عن التصرف فيما لا ينبغي ولهذا سمي عقلا من العقال وأما الرحمة في الغضب فلا يكون ذلك إلا في الحدود المشروعة والتعزير وما عدا ذلك فغضب ليس فيه من الرحمة شئ ولذلك قال أبو يزيد بطشي أشد لما سمع القارئ يقرأ إن بطش ربك لشديد فإن الإنسان إذا غضب لنفسه فلا يتضمن ذلك الغضب رحمة بوجه وإذا غضب لله فغضبه غضب الله وغضب الله لا يخلص عن رحمة إلهية تشوبه فغضبه في الدنيا ما نصبه من الحدود والتعزيرات وغضبه في الآخرة ما يقيم من الحدود على من يدخل النار فهو وإن كان غضبا فهو تطهير لما شابه من الرحمة في الدنيا والآخرة لأن الرحمة لما سبقت الغضب في الوجود عمت الكون كله ووسعت كل شئ فلما جاء الغضب في الوجود وجد الرحمة قد سبقته ولا بد من وجوده فكان مع الرحمة كالماء مع اللبن إذا شابه وخالطه فلم يخلص الماء من اللبن كذلك لم يخلص الغضب من الرحمة فحكمت على الغضب لأنها صاحبة المحل فينتهي غضب الله في المغضوب عليهم ورحمة الله لا تنتهي فهذا المهدي لا يغضب إلا لله فلا يتعدى في غضبه إقامة حدود الله التي شرعها بخلاف من يغضب لهواه ومخالفة غرضه فمثل هذا الذي يغضب لله لا يمكن أن يكون إلا عادلا ومقسطا لا جائرا ولا قاسطا وعلامة من يدعي هذا المقام إذا غضب لله وكان حاكما وأقام الحد على المغضوب عليه يزول عنه الغضب على ذلك الشخص عند الفراغ منه
(٣٣٣)