لا ضيق ولا حرج إلا في المحسوس والألوهية خاصة ولهذا لا يتعلق حكم الغيرة إلا بهذين المقامين فأما المحسوس فلحصره فإنه إذا كان عندك لم يكن عين ما هو عندك عند غيرك وأما في الألوهية فإن المدعي فيها كاذب ومن هي له صادق فمتعلق الغيرة كون من ليست فيه الألوهية ويدعيها كاذبا فالغيرة على المقام فإنها لا تكون إلا لواحد ليس لغيره فيها قدم والغيرة مشتقة من الغير فهذا قد أبنت لك عن سواء السبيل واعلم أن أطيب ما يورث من العلم ما يرثه العالم من الأسماء الإلهية فإن قلت وكيف تورث الأسماء الإلهية ولا يكون الورث إلا بعد موت قلنا وكذلك أقول فاعلم أني أريد بهذا النوع من العلم كون الحق سبحانه قادرا على إن يفعل ابتداء ما لا يفعله ولا وقع إلا منك كما قد بينا إنك آلة له تعالى فلما كان منك ولا بد ما يمكن أن يكون له دونك ومن المحال أن يكون لما هو منك كونان فإن الكائن لا يقبل كونين بل هو وجود واحد فينزل هذا القدر من الكون الظاهر منك مما كان له منزلة المال الموروث ممن كان له إذ يستحيل أن يكون له مع موته كما استحال أن يكون هذا الكائن عن غير من كان عنه فتحقق هذه النكتة فإنها عجيبة في أصحاب الأذواق لا في أحكام العقل واعلم أنه لما لم يتمكن أن يتقدم الاسم الحي الإلهي اسم من الأسماء الإلهية كانت له رتبة السبق فهو المنعوت على الحقيقة بالأول فكل حي في العالم وما في العالم إلا حي فهو فرع عن هذا الأصل وكما لا يشبه الفرع الأصل بما يحمله من الثمر وما يظهر منه من تصريف الأهواء له على اختلافها عليه وما يقبل من حال التعرية واللباس إذا أورق وتجرد عن ورقه والأصل ليس كذلك بل هو الممد له بكل ما يظهر فيه وبه إذ ليس له بقاء في فرعيته وأحكامها إلا بالأصل كذلك الاسم الحي مع سائر الأسماء الإلهية فكل اسم هو له إذا حققت الأمر فيسري سره في جميع العالم فخرج على صورته فيما نسب إليه من التسبيح بحمده والتسبيح تنزيه والتنزيه تعرية وكذلك الأصل معرى عن ملابس الفروع وزينتها من ورق وثمر وكل ذلك منه وهو منزه في ذاته عن أن تقوم به فقد أعطى ما لا يقوم به ولا يكون صفة له وهذا علم لا يمكن أن يحصل إلا لصاحب كشف وإذا حصل له لا يمكن أن يقسم العالم إلى حي وإلى غير حي بل هو عنده كله حي ولكن تنسب عندنا الحياة لكل حي بحسب حقيقة المنعوت بها المسمى عند أهل الكشف والشهود لا عند من لا يرى الحياة إلا في غير الجماد والنامي في نظره ليس كلامنا إلا مع أهل الكشف الذين أشهدهم الله الأمر على ما هو عليه في نفسه فاعلم ذلك واعلم أنه لما كان الاسم الحي اسما ذاتيا للحق سبحانه لم يتمكن أن يصدر عنه إلا حي فالعالم كله حي إذ عدم الحياة أو وجود موجود من العالم غير حي لم يكن له مستند إلهي في وجوده ألبتة ولا بد لكل حادث من مستند فالجماد في نظرك هو حي في نفس الأمر وأما الموت فهو مفارقة حي مدبر لحي مدبر فالمدبر والمدبر حي والمفارقة نسبة عدمية لا وجودية إنما هو عزل عن ولاية ثم إنه ما من شرط الحي أن يحس فإن الإحساس والحواس أمر معقول زائد على كونه حيا وإنما من شرطه العلم وقد يحس وقد لا يحس ولو أحس فليس من شرط الإحساس وجود الآلام واللذات فإن العلم يغني عن ذلك مع كون العالم لا يحس بما جرت العادة أنه لا يدرك إلا بالحس وأنت تعلم وجميع العقلاء أن الله عالم بكل شئ مع تنزيهه عن الإحساس والحواس فلحصول العلم طرق كثيرة عند من يستفيد علما والحس طريق موصلة إلى العلم بالمحسوس فقد يوصل إلى العلم به من غير طريق الحس فيكون معلوما في الحالتين لكنه لا يكون محسوسا لمن علمه من غير طريق الحس لكنه هو له مشهود ومعلوم كما لا نشك أنا نرى ربنا بالأبصار عيانا على ما يليق بجلاله وهو مرئي لنا ولا نقول فيه إنه محسوس لما يطلبه الحس من الحصر والتقييد فهذه رؤية غير مكيفة وكلامنا في هذا مع من يقول بالرؤية بالبصر ولا نقول بالكيف ولا الحصر والتقييد بل نراه منزها كما علمناه منزها وقد قدمنا في غير موضع من هذا الكتاب تصويب كل اعتقاد وصحة كل مقالة عقلية في الله وأما المقالات الشرعية المنزلة من الله فيه فالإيمان بها واجب وما جاءت لتخالف العقل فإنها قد جاءت بموافقة العقل في ليس كمثله شئ وقد جاءت بما لا يقبله دليل العقل من حيث نظره فزاد علما به لم يكن ليستقل به قبله بإيمانه إن كان عن خبر أو بذوقه إن كان عن شهود وسلمنا له ما وصف به نفسه من كل ما لا يستقل به العقل من حيث انفراده بذلك في نظره لكوننا لا نحيط علما بذاته لا بل لا نعلمها رأسا ولما كانت الأعيان في الوجود لها اتصال بعضها ببعض ولها انفصال بعضها عن بعض جعل
(٣٢٤)