على قدر معرفتهم به فأكثرهم جهلا به وحيرة فيه أعظمهم علما به وإذا لم تحصل لك بولاية ولي الله نسبة الله إلى ذلك الولي الخاص حتى تفرق بين نسبته سبحانه إليك ونسبته تعالى إلى ذلك الولي فما واليته جملة واحدة فيكلمك الحق على لسان ذلك الولي بما يسمع ليفيدك علما لم يكن عندك أو يذكرك وتسمع أنت منه إن كنت وليا تشهد ولايتك فتسمع بالحق إذ هو سمعك ما يتكلم به الحق على لسان ذلك الولي فيكون الأمر كمن يحدث نفسه بنفسه فيكون المحدث عين السامع وهذا ذوق يجده كل أحد من نفسه ولا يعرف ما هو إلا من شهد الأمر على ما هو عليه وأما قولنا الافتراق فعمن فتمام الخبر وهو قوله أو عاديت في عدو أو من عاديته فقد فارقته فإن الهادي يفارق المضل والضار يفارق النافع فمن أحكم الأسماء الإلهية انفتح له في العلم بالله باب عظيم لا يضيق عن شئ فلو علمت الذي أقول * لم تك غير الذي يقول ما أنت مثلي بل أنت عيني * فلا قئول ولا مقول تحيرت في الذي عنينا * فيما أتتنا به العقول فالمحقق إذا اعتبر ما يشاهده صاحب الكشف ربما عثر على الحق المطلوب فإنه في غاية الوضوح والظهور لذي عينين فالحال يلعب بالعقول وبالنهي * كتلاعب الأسماء بالأكوان فالعداوة والمعاداة من هناك ظهرت في الكون فالعالم المشاهد لا يتغير عليه الحال في عينه بقيام الأضداد به فإنه حق كله فإن فهمت ما أشرنا إليه علمت كيف توالي وكيف تعادي ومن تعادي ومن يعادي ومن تولى ومن يولي فسبحان من أوجدك منك وأشهدك إياك وامتن عليك بك فمن عرف نفسه عرف ربه فلم ينسب شيئا إلا إليه والله غني عن العالمين واعلم أن الله لما نسب الألوهة للهوى وجعله مقابلا له فقال لنبيه ع داود فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى وقال أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وليس الهوى سوى إرادة العبد إذا خالفت الميزان المشروع الذي وضع الله له في الدنيا وقد تقرر قوله وما تشاءون إلا أن يشاء الله فقد علمت بمن حكم من حكم بهواه ولهذا قال وأضله الله على علم أي حيره فإن العلم بالله أوجب له الحيرة في الله إذ لا حاكم إلا الله فقد زلزل الأرض زلزالها * وقال لنا ما لها ما لها فلو نظرت أعين أدركت * إلى ربها حين أوحى لها وحدثت الأرض أخبارها * كما أخرجت لك أثقالها فمن لم يشاهد هذا المشهد لم يشهد عظمة الله في الوجود وفاته علم كثير يفوت هذا المشهود واعلم أن الأمر لما كان محصورا في أربع حقائق الأول والآخر والظاهر والباطن وقامت نشأة العلم على التربيع لم يكن في طريق الله تعالى صاحب تمكين إلا من شاهد التربيع في نفسه وأفعاله فأقام الفرائض وهي الإقامة الأولى وأقام النوافل وهي الإقامة الأخرى في ظاهره وفي باطنه فإن حكم ذلك في الظاهر وفي الباطن فعم حكم الله نشأته فإذا شهد هذا ذوقا من نفسه علم ما يثمر له هذا الأمر فله في ظاهره ست جهات والستة لها الكمال فإنها أول عدد كامل فإن سدسها إذا أضفته إلى ثلثها ونصفها كان كالكل والقلب له ستة وجوه لكل جهة وجه من القلب هو عين تلك الجهة بتلك العين يدرك الحق إذا تجلى له في الاسم الظاهر فإن عم التجلي الجهات كلها من كونه بكل شئ محيطا عم القلب بوجوهه ما بدا له من الحق في كل جهة فكان نورا كله وهناك يقول العبد فعلت يا رب ويخاطبه ويقول أنت كما قال العبد الصالح كنت أنت الرقيب عليهم فظهر الضمير مع كونه ضميرا والمضمر يخالف الظاهر وقد ظهر مع كونه مضمرا في حال ظهوره فيقول في الحق أنه الظاهر في حال بطونه والباطن في حال ظهوره من وجه واحد فإن كلمة أنت ضمير مخاطب وليس سوى عينك وأنت مشهود بالخطاب فأنت المضمر الظاهر بخلاف الاسم فأسماء المضمرات أعظم قوة وأمكن في العلم بالله من الأسماء (وحكي) عن بعض العارفين ورأيته منقولا عن أبي يزيد البسطامي أنه قال في بعض مشاهده مع الحق في حال من الأحوال أنانيتي أنانيتك أي كما ينطلق على الاسم المضمر بحقيقته كذلك ينطلق عليك ما هو مثل الاسم الظاهر ولا مثل الوصف الظاهر وهذا عين ما قلناه
(٣٠٥)