من قوة المضمرات ولما وقع في الكون التشبيه والاشتراك في الصور بحيث أن يغيب أحد الشخصين ويحضر الآخر فيتخيل الناظر إلى الحاضر أن الحاضر عين الغائب وضع الله في العالم الإشارات في الإخبارات والضمائر لارتفاع هذا اللبس والفصل بين ما هو وبين من يظهر بصورته واعتمدوا عليه ولما أخبر الله تعالى أن الإنسان مخلوق على الصورة قال عيسى ع كنت أنت الرقيب عليهم ففصل بين الحق وبين من هو على الصورة فكأنه قال كنت من حيث عينك لا من هو على صورتك الرقيب عليهم فناب أنت في هذا الموضع مناب العين المقصودة ولنا جزء في هذه الأسماء المضمرات سميناه كتاب الهو وهو جزء حسن بالغنا فيه في هذه الأسماء المضمرة وهي تقبل كل صورة قديمة وحديثة لتمكنها وعلو مقامها والعالم وإن تكثر فهو راجع إلى عين واحدة فكل من في الوجود حق * وكل من في الشهود خلق فانظر إلى حكمة تجلت * في عين حق يحويه حق فالعبد محق والحق محق * فليس حق ولا محق فيا ولي لا تعطل زمانك في النظر في الحركات وتحقيقها فإن الوقت عزيز وانظر إلى ما نتجه فاعتمد عليه بما يعطيك من حقيقته فإنك إن كنت نافذ البصيرة عرفت من عين النتيجة عين الحركة والمحرك فإن الحركة حقيقة العين والمحرك من وراء حجاب الكون والنتيجة ظاهرة سافرة معربة عن شأنها فاعتمد عليها فهذه نصيحتي لك يا ولي ولهذا ما نسب الحق إلى نفسه انتقالا إلا وذكر النتيجة ليعرفك ما هو عين الانتقال المنسوب إليه في نازلة ما مثل قوله ينزل ربنا إلى السماء الدنيا في الثلث الباقي من الليل ثم ذكر النتيجة فقال فيقول هل من تائب هل من داع هل من مستغفر وقال مثل هذا كثيرا ليريح عباده من تعب الفكر والاعتذار فإن المقصود من الحركات ما تنتج لا أعينها وكذا كل شئ فالمبتدأ لولا الخبر ما كان له فائدة ولكان عبثا الإتيان به ومن هنا يعرف قوله أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وقوله وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ومن هنا يقع التنبيه على معرفة الحكمة التي أوجد الله لها العالم وأن اسمه الحق تعالى حق وقوله إنه غني عن العالمين إن معناه غني عن وجوده لا عن ثبوته فإن العالم في حال ثبوته يقع به الاكتفاء والاستغناء عن وجوده لأنه وفي الألوهة حقها بإمكانه ولولا طلب الممكنات وافتقارها إلى ذوق الحالات وأرادت أن تذوق حال الوجود كما ذاقت حال العدم فسألت بلسان ثبوتها واجب الوجود أن يوجد أعيانها ليكون العلم لها ذوقا فأوجدها لها لا له فهو الغني عن وجودها وعن إن يكون وجودها دليلا عليه وعلامة على ثبوته بل عدمها في الدلالة عليه كوجودها فأي شئ رجح من عدم أو وجود حصل به المقصود من العلم بالله فلهذا علمنا إن غناه سبحانه عن العالم عين غناه عن وجود العالم وهذه مسألة غريبة لاتصاف الممكن بالعدم في الأزل وكون الأزل لا يقبل الترجيح وكيف قبله عدم الممكن مع أزليته وذلك أنه من حيث ما هو ممكن لنفسه استوى في حقه القبول للحكمين فيما يفرض له حال عدم إلا ويفرض له حال وجود فما كان له الحكم فيه في حال الفرض فهو مرجح فالترجيح ينسحب على الممكن أزلا في حال عدمه وإنه منعوت بعدم مرجح والترجيح من المرجح الذي هو اسم الفاعل لا يكون إلا بقصد لذلك والقصد حركة معنوية يظهر حكمها في كل واحد بحسب ما تعطيه حقيقته فإن كان محسوسا فرع حيزا وشغل حيزا وإن كان معقولا أزال معنى وأثبت معنى ونقل من حال إلى حال وفي هذا المنزل من العلوم علوم شتى منها علم الدعاء المقيد والدعاء المطلق وما ينبغي أن يقال لكل مدعو ويعامل به ومنها علم الحركات وأسبابها ونتائجها ومنها علم منزلة من تكلم فيما لا يعلم ويتخيل أنه يعلم هل ما تكلم به علم في نفس الأمر أم ليس بعلم أم يستحيل أن يكون إلا علما لكن لا يعلمه هذا المتكلم وهل ظهر مثل هذا في العالم وهو خلق لله لتمييز المراتب فيعلم به مرتبة الجهل من العلم والجاهل من العالم أو ما ثم إلا علم ومنها علم تعيين من جعل الله الحيرة في العالم على يديه وهل الحيرة تعطي سعادة على الإطلاق أو شقاوة أو فيها تفصيل منها ما يعطي سعادة ومنها ما يعطي شقاوة وهل المتحير فيه هل كونه متحيرا فيه اسم مفعول لذاته أم يمكن أن لا يتحير فيه وفيه علم سبب الاحتراق الذي يجده صاحب الحيرة في باطنه في حال حيرته وهل إذا علم الحائر أن الذي تحير فيه
(٣٠٦)