يقرن بزواله زوال الكون الذي زال منه وهو الدنيا وهذا الاسم كان ذكرنا وذكر شيخنا الذي دخلنا عليه وما في فوائد الأذكار أعظم من فائدته فلما قال الحق ولذكر الله أكبر ولم يذكر صورة ذكر آخر مع كثرة الأذكار بالأسماء الإلهية فاتخذه أهل الله ذكرا وحده فأنتج لهم في قلوبهم أمرا عظيما لم ينتجه غيره من الأذكار فإن بعض العلماء بالرسوم لم ير هذا الذكر لارتفاع الفائدة عنده فيه إذ كل مبتدأ لا بد له من خبر فيقال له لا يلزم ذلك في اللفظ بل لا بد له من فائدة وقد ظهرت في الذاكر به حين ذكره بهذه الكلمة خاصة فنتج له في باطنه من نور الكشف ما لا ينتجه غيره بل له خبر ظاهر لا في اللفظ كإضافة إلى تنزيه أو ثناء بفعل ومعلوم أنه إذا ذكر أمر ما ثم ذكر أمر ما وكرر على طريق التأكيد له أنه يعطي من الفائدة ما لا يعطيه من ليس له هذا الحكم ولا قصد به فهو أسرع وأنجح في طلب الأمور فلا عبث في العالم جملة واحدة وأما الأثر الخامس وهو يشبه الرابع كما أشبه قسم الحمل من البروج قسم الأسد والقوس وغيره وإن كان هذا ما هو عين هذا وينفرد كل واحد منهما بأمر لا يكون لغيره من مماثلة مع كونه على مثله فلهذا وقع الشبه في الآثار كما وقع في الأصل وهو كل ما وقع في العالم ويعطي معنى صحيحا غير ظهوره ولو سقط من العالم لم يختل ذلك الأمر الذي أعطى فيه هذا المعنى ولكنه لا بد أن ينقص عن الأمر الذي يعطيه وجوده وهذه تسمى عوارض الأعطيات التي لا يخل سقوطها وعدم وقوعها بحقيقة ما عدمت منه وإن كان لها معنى كوجود لذة الجماع من غير جماع فحصلت الفائدة التي كان لها الجماع ولكن لحصولها بالجماع معنى لا يحصل إلا بالجماع لأن المقصود بالنكاح الالتذاذ ووجود اللذة وقد وجدت فما أخل سقوط الجماع باللذة ولهذا زوجنا الله بالحور العين وأما الأثر السادس فهو ما يتعلق بصاحب الهمة إذا أراد أن يتكون عنه ما لا يقع بالعادة إلا بآلة فيفعله بهمته لا بآلة وفي وقت بآلة فإن الله قادر أن يكون آدم ابتداء من غير تخمير ولا توجه يدين ولا تسوية ولا تعديل لنفخ روح بل يقول له كن فيكون ومع هذا فخمر طينته بيديه وسواه وعدله ثم نفخ فيه الروح وعلمه الأسماء وأوجد الأشياء على ترتيب كما أنه لو شاء جعلنا نكتفي بالعلم به عن أسمائه ولكن تسمى بكذا في كل لسان وضعه في العالم فيسمى بالله في العرب وبخداي في الفرس وبواق في الحبش وفي كل لسان له أسماء مع العلم بوجوده وأظهر فائدة ذلك مع الاستغناء عما ظهر والاكتفاء ومن هذا الباب ما يظهر عنا من الأفعال مع أنه يجوز أن يفعلها الله لا بأيدينا ولكن ما وصل إلى هذا الفعل في الشاهد إلا بأيدينا فأراد تحريك الجسم من مكان إلى مكان فجعل فينا إرادة طلب الانتقال فقمنا بحركة اختيارية نعقلها من نفوسنا وانتقلنا والانتقال خلق الله بالأصل ولكنه وجد عن إرادة حادثة اختيارية بخلاف حركة المرتعش فإنها اضطرارية فالإنسان المختار مجبور في اختياره عند السليم العقل ثم ما من حقيقة لا يظهر حكمها إلا بالمحل فلا تظهر إلا بالمحل فيفرق بين ما يجوز وبين ما لا يجوز فالتحرك محال وجوده إلا في متحرك ومن هذا الباب نزوله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الباقي من الليل مع كونه معنا أينما كنا فهذا حكم نزول قد ظهر بفعل ما يمكن حصول ذلك المراد من غير هذا النزول لكن إذا أضفته إلى قوله تعالى إنه غني عن العالمين كان نزولا ولا بد عن مرتبة الغني لأنه لا يقبل هذا النزول إلا لنسبة إلهية تقتضيها ذاته فلم تكن إلا بنزول فافهم فإن الإضافات لها من الحكم الذاتي ما ليس لغير المضاف والحقائق لا تتبدل والشأن إنما هو ظهور حكم في محكوم فهو من وجه تطلبه ذاته ومن وجه لا تطلبه ذاته تعالى كالخالق يطلب الخلق والعالم يطلب المعلوم وأما الأثر السابع فوجود الظرفية في الكون هل هي أصل في الكون ثم حملناها على الحق حملا شرعيا أو هي في الحق بحسب ما يليق بجلاله وظهرت في العالم بالفعل كقول رسول الله ص للسوداء أين الله فأشارت إلى السماء وكانت خرساء قال تعالى والله بكل شئ عليم وبنية فعيل ترد بمعنى الفاعل وبمعنى المفعول كقتيل وجريح فعليم بمعنى عالم وبمعنى معلوم وكلا الوجهين سائغ في هذه الآية إذا كانت الباء من قوله بكل بمعنى الفاء فهو في كل شئ معلوم وبكل شئ محيط أي له في كل شئ إحاطة بما هو ذلك المعلوم عليه وليس ذلك إلا لله أو لمن أعلمه الله وأما الأثر الثامن فقوله تعالى فاسئل به خبيرا أي إذا أردت أن تسأل عن حقيقة أمر فاسأل عنه من له فيه ذوق ومن لا ذوق له في الأشياء فلا تسأله فإنه لا يخبرك إلا باسم ما سألت عنه لا بحقيقته فلا يسأل العبد عن الله
(٣٠٠)