أنه ليس في المنازل ولا في المقامات منزل عم جميع العالم والإنسان إلا هذا المنزل فله عموم الرحمة في العالم لأن العالم من حيث حقيقته قام على أربعة أركان في صورته الجسمية والروحانية فهو من حيث طبيعته مربع ومن حيث روحه مربع فمن حيث جسده ذو أربع طبائع عن أركان أربعة ومن حيث روحه عن أم وأب ونفخ وتوجه فجاءته الرحمة من أربعة وجوه لكل وجه رحمة تخصه فالرحمة التي تبقي عليه رطوبته حتى لا تؤثر فيها يبوسته غير الرحمة التي تحفظ عليه يبوسته لئلا تفنيها رطوبته والرحمة التي تحفظ عليه برودته لئلا تفنيها حرارته غير الرحمة التي تحفظ عليه حرارته لئلا تفنيها برودته فتمانعت فبقيت لهذا التمانع والتكافؤ صورة الجسم ما دام هذا التكافؤ والممانعة ومن هذا المنزل انبعثت هذه الرحمات الأربع فمن وقف عليها من نفسه علم ما له ومن لم يقف عليها من نفسه جهل حاله وإنما حجب الله من حجب عن شهودها حتى لا يتكلموا كما ورد في حديث معاذ وحديث عمر وكشفها الله للامناء حيث علم منهم أنهم لا يؤدون الأمانة إلا لأهلها فإن الله قد خلق للعلم أهلا بمثل هذا وجعل وصول العلم إليهم بمثل هذا على نوعين إما منه إليهم وإما من معلم قد علم أمانة غيره وهو أمين مثل ما علم من أمانته فالقى ذلك العلم إليه إذ كان من أهله وهو مأمور من الله تعالى بأداء الأمانة فإذا وقفت على هذه الرحمات من نفسك حالت بينك وبين كل ما يؤدي إلى بعدك عن الله تعالى وعن سعادتك واتصفت بالانقياد إلى الله في كل حال بما دعاك إليه هذا أثرها فيك إذا شاهدتها فتورثك الأدب الإلهي ولا يكون هذا الآتي بهذا العلم إليك إلا عالما بك وبما تكون به حياتك وهو من الأرواح السيارة والملائكة أولي الأجنحة على طبقاتها في الأجنحة فأعلاهم أقلهم أجنحة وأقلهم أجنحة من له جناحان فإنه ما ثم من له جناح واحد لا مساعد له إما من جناح أو غيره وقد رأينا حيوانا على فرد رجل وقد خرج من صدره شبه درة المحتسب يحركه تحريك الجناح ويعدو بتلك الحركة ويحرك رجله الواحدة بحيث أن السابق من الخيل لا يلحقه ما بين القل وجيجل ببلاد المغرب فلهذا لنا من لا مساعد له فمن الملائكة من له جناحان إلى ستمائة جناح إلى ما فوق ذلك فهذا علم لا يأتي لمن أتى إليه إلا على يدي ملك كريم مطيع لا يعصي الله ما أمره له جناحان ينزل بهما إلى قلب هذا العبد فإن أجنحة الملائكة للنزول لا للصعود وأجنحة الأجسام العنصرية للصعود لا للنزول لأن الملائكة تجري بطبعها الذي عليه صورة أجسامها إلى أفلاكها التي عنها كان وجودها فإذا نزلت إلى الأرض نزلت طائرة بتلك الأجنحة وهي إذا رجعت إلى أفلاكها ترجع بطبعها بحركة طبيعية وإن حركت أجنحتها حتى أنها لو لم تحرك أجنحتها لصعدت إلى مقرها ومقامها بذاتها وأجسام الطير العنصري يحرك جناحه للصعود ولو ترك تحريك جناحه أو بسطة لنزل إلى الأرض بطبعه فما يبسط جناحه في النزول إلا للوزن في النزول لأنه إن لم يزن نزوله وبقي مع طبعه تأذى في نزوله لقوة حكم الطبع فحركة جناحه في النزول حركة حفظ فاعلم ذلك واعلم أن البهائم تعلم من الإنسان ومن أمر الدار الآخرة ومن الحقائق التي الوجود عليها ما يجهله بعض الناس ولا يعلمه كما حكي عن بعضهم أنه رأى رجلا راكبا على حمار وهو يضرب رأس الحمار بقضيب فنهاه الرائي عن ضربه رأس الحمار فقال له الحمار دعه فإنه على رأسه يضرب فجعله عين الحمار وعلم الحمار أنه مجازي بمثل ما فعل معه وقوله دعه لما علم الحمار ما له في ذلك من الخير عند الله أو لعلمه أيضا بأنه ما وفى له بحق ما خلق له من التسخير فعلم أنه مستحق بالضرب فنبه بذلك السامع له أن الشخص إذا لم يجئ بحق ما تعين عليه لصاحبه استحق الضرب أدبا وجزاء لما كان منه وهذه كلها وجوه محققة لصورة هذا الفعل والقول من هذا الحمار إلى غير ذلك من الوجوه التي يطلبها هذا الفعل وقال رسول الله ص في ناقته لما هاجر إلى المدينة وبركت الناقة بفناء أبي أيوب الأنصاري فأراد من حضر من أصحابه ص أن يقيمها والنبي ص راكب عليها فقال دعوها فإنها مأمورة وقال حبسها حابس الفيل يعني عن مكة وحديث الفيل مشهور الصحة فجميع ما سوى الثقلين وبعض الناس والجان على بينة من ربهم في أمرهم من حيوان ونبات وجماد وملك وروح ويتضمن هذا المنزل من العلوم علم الأعداد وعلم الحروف وهو علم الأولياء كذا قال محمد بن علي الترمذي الحكيم وعلم المجمل وعلم الرحمات المختصة بالإنسان وعلم التبيان وعلم البشائر وعلم مراتب الايمان وعلم إقامة نشأة الأعمال من المكلفين وغير
(٢٦١)