الأرض واختراق الهواء والمشي على الماء والأكل من الكون وما ظهر عليه شئ من ذلك وهو في قوته وتحت تصريفه وأبي أن يكون إلا على ما هم عليه عامة المسلمين إلا وهم الملامية من أهل هذا الطريق خاصة كبيرهم وصغيرهم فيكون هذا الشخص في الأمة المحمدية كجبريل في الأمة الملكية مطاع الباطن فإن جبريل روح وله الباطن غير مطاع في الظاهر لو أمر لكنه لا يأمر فإنه ما امتاز عن العامة بشئ فلو امتاز عندهم بخرق عادة تظهر منه مما لا يقتضيها الموطن عظم وامتثل أمره للتفوق الذي ظهر له على العامة فهذا سبب رد أمره لو أمر لكنه لا يأمر ولكنه في الباطن مطاع الأمر ورأينا من هؤلاء جماعة مثل عبد الله بن تاخمست ومثل ابن جعدون الحناوي وهو من الأوتاد كان كبير الشأن فهذا العارف الذي له هذا المقام الذي ذكرناه له التمكن من نفسه ومن مكن من نفسه فهو أقوى خلق الله فإن النفس تريد الظهور في العالم بالربوبية وصاحب هذا المقام قد خلع الله عليه من أوصاف السيادة وقواه بحيث أن يقول للشئ كن فيكون ذلك الشئ لمكانته من ربه فكان من قوته أنه ملك نفسه فلم يظهر عليه من ذلك شئ لا في أقواله ولا في أفعاله ولا عبادته وهو ممن نص عليه رسول الله ص في الحديث الحسن الغريب حين خلق الله الجبال عند ميد الأرض فرست وسكن ميدها فقالت الملائكة يا ربنا هل خلقت شيئا أشد من الجبال قال نعم الحديد قالت يا ربنا هل خلقت شيئا أشد من الحديد قال نعم النار قالت يا ربنا هل خلقت شيئا أشد من النار قال نعم الماء قالت يا ربنا هل خلقت شيئا أشد من الماء قال نعم الهواء قالت يا ربنا هل خلقت شيئا أشد من الهواء قال المؤمن يتصدق بيمينه لا تعرف بذلك شماله أو قال فيخفيها عن شماله وهذه حالة من ذكرنا وقد وصفه رسول الله ص بالقوة وأن له منها أكثر مما ذكره من الأقوياء فإن النفس مجبولة على حب الرياسة على جنسها هذا في أصل جبلتها وخلقها ومن قيل له اخرج عن جبلتك وطبعك فقد كلف أمرا عظيما فسبحان من رزقهم من القوة بحيث إن هان عليهم مثل هذا وسبب ذلك أنه أعطاهم من المعرفة بالله التي خلقوا لها ما شغلهم الوفاء بحق العبودة عن مثل هذا فهم على الطريقة المثلى التي اختارها الله لعباده ولهم المكانة الزلفى بثبوتهم عليها مكرمون عند الله وهذا العارف الذي بهذه المثابة من الأفراد الذين أفردهم الحق إليه واختصهم له وأرخى الحجاب حجاب العادة بينهم وبين الخلق فاستخلصهم لنفسه ورضي عنهم ورضوا عنه وأعطى صاحب هذا المقام من القوي المؤثرة في العالم الأعلى والأسفل ألفا ومائتي قوة قوة واحدة منها لو سلطها على الكون أعدمته ومع هذا التمكن من هذه القوي إذا نزل الذباب عليه لا يقدر على إزالته حياء من الله ومعرفة فأما المعرفة التي له فيه فإن ذلك الذباب رسول من الحق إليه وهو الذي أنزله عليه فهو يراقب ما جاءه به من العلم فإذا فرع من رسالته إن شاء نهض إن استدعاه خالقه وإن شاء أقام فيكون هذا العارف كرسي ذلك الرسول الذبابي فهذا سبب تركه إياه ولا يشرده عن نفسه كما تفعله العامة للمعرفة وأما الحياء من الله فإن في إزالة الذباب راحة للنفس ونعيما معجلا وما خلق الله الإنسان في هذه الدار للراحة والنعيم وإنما خلق لعبادة ربه فيستحي إن يراه الله في طلب الراحة من أذى الذباب حيث إن الموطن لا يقتضيه فإن قلت فالمتنعم في الدنيا المباح له التنعم في الحلال قلنا لا نمنع ذلك في حق غير العارف ولكن العارف تحت سلطان التكليف فما من نعمة ينعم الله بها عليه باطنة كانت أو ظاهرة إلا والتكليف من الله بالشكر عليها يصحبها فذلك التكليف ينغص على العارف التنعم بتلك النعمة لاشتغاله بموازنة الشكر عليها وإذا وفى الشكر عليها فالوفاء به نعمة من الله عليه يجب عليه الشكر عليها فلا يزال متعوب الخاطر في إقامة الوزن بالقسط أن لا يخسر الميزان ومن هذه حالته كيف ينعم فظاهرها نعمة وباطنها غصص وهو لا يبرح يتقلب في نعم الله ظاهرا وباطنا ولا تؤثر عنده إلا ألما وتنغيصا والعامة تفرح بتلك النعم وتتصرف فيها أشرا وبطرا والعارف مسدود عليه في الدنيا باب الراحة في قلبه وإن استراح في ظاهره فهو يموت في كل نفس ألف موتة ولا يشعر به يقول عمر بن الخطاب ما ابتلاني الله بمصيبة إلا رأيت لله علي فيها ثلاث نعم إحداها أن لم تكن في ديني الثانية حيث لم تكن أكبر منها الثالثة ما وعد الله عليها من الثواب ومن كان في مصيبة واحدة يرى ثلاث نعم فقد انتقل إلى مصيبة أعظم من تلك المصيبة فإنه يتعين عليه إقامة ميزان الشكر على ثلاث نعم فابتلاه الله بمصيبة واحدة
(١٥)