صحبه تجلى الحق فما من حضرة يدخلها من الحضرات لها حكم إلا ويرى الحق قد تحول بحكم تلك الحضرة والعبد قد ضبط منه أو لا ما ضبط فيعلم أنه قد تحول في أمر آخر فلا يجهله بعد ذلك أبدا ولا ينحجب عنه فإن الله ما تجلى لأحد فانحجب عنه بعد ذلك فإنه غير ممكن أصلا فإذا نزل العبد إلى عالم خياله وقد عرف الأمور على ما هي عليه مشاهدة وقد كان قبل ذلك عرفها علما وإيمانا رأى الحق في حضرة الخيال صورة جسدية فلم ينكره وأنكره العابر والأجانب ثم نزل من عالم الخيال إلى عالم الحس والمحسوس فنزل الحق معه لنزوله فإنه لا يفارقه فيشاهده صورة كل ما شاهده من العالم لا يخص به صورة دون صورة من الأجسام والأعراض ويراه عين نفسه ويعلم أنه ما هو عين نفسه ولا عين العالم ولا يحار في ذلك لما حصل له من التحقيق بصحبة الحق في نزوله معه من المقام الذي يستحقه ولا عالم وراءه يتحول في كل حضرة بحسب حكمها وهذا مشهد عزيز ما رأيت من يقول به من غير شهود إلا في عالم الأجسام والأجساد وسبب ذلك عدم الصحبة مع الحق لما نزل من المقام الذي يستحقه فكان القائلون به في عالم الأجسام والأجساد مقلدين ويعرف ذلك من كونه لا يصحبهم ذلك وتتوالى الغفلات عليهم فإذا حضروا بنفوسهم حينئذ يقولون بذلك وصاحب الذوق لا غفلة عنده عن ذلك جملة واحدة فإنه معلوم عنده والغفلة إنما تكون عن شئ دون شئ لا تعم فكل ما يبقى من الأمور غير مشهود لصاحب الغفلة فإن صاحب الذوق يشهد الحق فيه فما بقي له مشهود في حال غفلته ومن ليس له هذا المقام ذوقا يغفل عن الحق بالأشياء حتى يستحضره في أوقات ما فهذا هو الفارق بين أصحاب الذوق وبين غيرهم فلا تغالط نفسك وما رأيت واحدا من أهل هذا المقام ذوقا إلا أنه أخبرتني أهلي مريم بنت محمد بن عبدون أنها أبصرت واحدا وصفت لي حاله فعلمت أنه من أهل هذا الشهود إلا أنها ذكرت عنه أحوالا تدل على عدم قوته فيه وضعفه مع تحققه بهذا الحال والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وأما الطلسم الثالث وهو طلسم العادات الحاكمة على النفوس الناطقة لما حصل لها من الألفة بها وتوقف المنافع والمصالح عليها دائما لا يرتفع فإذا أراد من أراد أن يرتفع عن حكم هذا الطلسم إذ علم أنه لا يرتفع فإن الأسباب المألوفة هي أوضاع إلهية لا يمكن رفعها ولا دفعها يرجع هذا الشخص إلى النظر في وجهه الخاص به الذي لا أثر للسبب فيه وهو خفي جدا فيعمد إلى بابه فيفتحه ويكثر العكوف عليه ويحس بالأسباب تجذبه عنه ليأخذ منها ما بيدها من الأمانات له فلا يفعل ولا يقبل ما تأتيه به فإذا جاءه خاطر أن ذلك سوء أدب مع الله فخذ ما أعطاك وكن من الشاكرين وإن هذه الأسباب لا يمكن رفعها فلا تبطل حكمة الله في حقك فتكون من الجاهلين فلا يصغ إلى هذا العتب ولا إلى هذا المعلم فإنه خاطر نفسي ما هو خاطر إلهي وليثبت على اعتكافه بالباب الخاص وليقل لذلك المعلم إن الله قد نهى أن تؤتى البيوت من ظهورها فلو كنت من الله لأتيت البيوت من أبوابها وأنا بيت لا يزيده على هذا فإذا أراده الحق لذلك المقام أدخل عليه ذلك السبب بما عنده من الأمانة له على باب ذلك الوجه الخاص الذي قد واجهه هذا العبد واعتكف عليه وذلك هو باب بيته فإذا أعطاه ذلك السبب ما أعطاه قبله منه لأنه ما جاءه إلا من باب الوجه الذي يطلب الأمر منه وقد أتى البيت هذا السبب من بابه وهذا هو المسمى خرق العوائد في العوائد فإن العالم لا يشهدون صاحب هذا المقام إلا آخذا من الأسباب فلا يفرقون بينهم وبينه فهو وحده يعرف كيف أخذ وليس هذا المقام إلا للملامية وهم أعلى الطوائف فإنهم في خرق العادة في عين العادة وبينهم في المقام ما بين المحجوب والمشاهد ولكن لا يشعرون وأصحاب خرق العوائد الظاهرة ما لهم هذا المقام ولا شموا منه رائحة أصلا وهم الآخذون من الأسباب فإن الأسباب ما زالت عنهم ولا تزول ولكن خفيت فإنه لا بد لصاحب خرق العادة الظاهرة من حركة حسية هي سبب وجود عين ذلك المطلوب فيغرف أو يقبض بيده في الهواء فيفتحه عن مقبوض عليه من ذهب أو غيره فلم يكن إلا بسبب حركة من يده وقبض فما خرج عن سبب لكنه غير معتاد بالجملة لكن القبض معتاد وحركة اليد معتادة وتحصيل هذا الذي حصل له من غير هذا الوجه معتاد وتحصيله من هذا الوجه غير معتاد فقيل فيه إنه خرق عادة فاعلم ذلك فمن أراد رفع حكم طلسم العادات فليعمل نفسه فيما ذكرناه فلا تحكم عليه العوائد وهو في العوائد غير معروف عند العامة والخاصة ومن علوم هذا المنزل علم الإشارات والخطاب وفيه علم الدخل بالشبه على أصحاب الأدلة وفيه علم الاسم الذي توجه على الخلق بالإيجاد والتقدير وعلم ما بين
(٢٣٥)