ما يوحى إليه وغير الرسول يحس بأثره ولا يراه رؤية بصر فيلهمه الله به ما شاء أن يلهمه أو يعطيه من الوجه الخاص بارتفاع الوسائط وهو أجل الإلقاء وأشرفه وهو الذي يجتمع فيه الرسول والولي أيضا فأصابع الرحمن للوجه الخاص ولمة الملك للوجه المشترك والإلهام إلهي أكثره لا واسطة فيه فمن عرفه عرف كيف يأخذه ومحله النفس قال تعالى فألهمهما فالفاعل هويته فهو الملهم لا غيره فجورها ليعلمه لا ليعمل به وتقواها ليعلمه ويعمل به فهو إلهام إعلام لا كما يظنه من لا علم له ولذلك قال وقد خاب من دساها والدس إلحاق خفي بازدحام فالحق العمل بالفجور بالعمل بالتقوى وما فرق في موضع التفريق فجمع بينهما في العلم والعمل والأمر ليس كذلك وسبب جهله بذلك أنه رمى ميزان الشرع من يده فلو لم يضع الميزان من يده لرأى أنه مأمور بالتقوى منهي عن الفجور مبين له الأمران معا ولما أضاف الله الفجور لها والتقوى علمنا أنه لا بد من وقوعهما في الوجود من هذه النفس الملهمة وكان الفجور لها ما انفجر لها عن تأويل تأولته فما أقدمت على المخالفة انتهاكا للحرمة الإلهية ولا يتمكن لها ذلك وكان هذا من رحمة الله بالأنفس ولما كان الفجر فجرين فجر كاذب وفجر صادق وهو الفجر المستطيل الكاذب ألهمها تقواها أي تتقي في فجورها الفجر المستطيل لأنه يستطيل عليها بالأولية لتأخر المستطير الذي يطير حكمه عنها فألهمها في فجورها الفجر المستطيل فتبين لها بهذا الانفجار ما هو المشكوك فيه من غير المشكوك وتقواها وما تتقي به ما يضرها حكمه فيها فلو لا ما مكنها مما تتقي به وهو المعنى الذي ألهمها لتتنبه النفس على استعماله فتفرق ما بين الشبهة والدليل ما تمكنت من الفرق بينهما فإن الله سبحانه كما لم يأمر بالفحشاء لم يلهم العبد العمل بالفحشاء كما يراه بعضهم ولو ألهمه العمل بالفحشاء لما قامت الحجة لله على العبد بل هذه الآية مثل قوله وهديناه النجدين أي الطريقين بيناهما له فقال إنا هديناه السبيل أي بينا له إما شاكرا فيعمل في السبيل بمقتضاه إن كان نهيا انتهى وإن كان أمرا فعل وإما كفورا يقول يستر على نفسه فيخادعون أنفسهم فإنه ما ضل أحد إلا على علم فإن بيان الحق ليس بعده بيان ولا فائدة للبيان إلا حصول العلم ثم يستره العالم به عن نفسه لغرض يقوم له فتقوم الحجة لله عليه فالإلهام إعلام إلهي فمن زكى نفسه بالتقوى فاتقى من الفجور ما ينبغي أن يتقى منه وأخذ منه ما ينبغي أن يؤخذ منه ومن دس نفسه في موضع قيل له لا تدخل منه فقد خاب فمن أراد طريق العلم والسعادة فلا يضع ميزان الشرع من يده نفسا واحدا فإن الله بيده الميزان لا يضعه يخفض القسط ويرفعه وهو ما هو الوجود عليه من الأحوال فلو وضع الحق الميزان من يده لفنى العالم دفعة واحدة عند هذا الوضع وكذلك ينبغي للمكلف بل للإنسان أن لا يضع الميزان المشروع من يده ما دام مكلفا لأنه إن وضعه من يده نفسا واحدا فنى الشرع كله كما فنى العالم لو وضع الحق الميزان من يده فإن كل حركة في المكلف ومن المكلف وسكون لميزان الشرع فيه حكم فلا يصح وضعه مع بقاء الشرع فهذا الميزان له من كونه مكلفا وأما الميزان الآخر الذي لا ينبغي أن يضعه الإنسان لا من كونه مكلفا بل هو بيده دنيا وآخرة فذلك هو ميزان العلم الذي ميزان الشرع حكم من أحكامه وهو مثل الميزان الذي بيد الحق فبه يشهد وزن الحق فنسبته إلى ميزان الحق نسبة شخص بيده ميزان وشخص آخر بيده مرآة فرأى في مرآته التي في يده صورة ذلك الميزان والوزان والوزن فعلم صورة الأمر من شهوده في وجوده وكان هذا الأمر من ورائه غيبا له لولا المرآة ما شهده فأضاف ما رآه في مرآته إليه لكون مرآته ليس غيره فالغيب الذي يزن والوزن والميزان حضرة الحق والمرآة حضرة الإنسان فالوزن لله تعالى والشهود لمن كانت نفسه مرآة فهو السعيد الصادق وإنما كشف الله هذا السر لمن كشفه ليري في مرآته صورة الخلق الإلهي وكيف صدور الأشياء وظهورها في الوجود من عنده وهو قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله فيرى من أين صدر ذلك الشئ فيكون صاحب هذا الكشف خلاقا وهو الذي أراده الحق منه بهذا الكشف بل يعلم أنه خلاق من هذا الكشف ولم يزل كذلك وهو لا يشعر فأفاده هذا الكشف العلم بما هو الأمر عليه لا أنه بالكشف صار خلاقا فأمره الله عند ذلك أن يعطي كل شئ حقه من صورته كما أعطاه الله خلقه في صورته فلا تتوجه عليه مطالبة لمخلوق كما لا يتوجه على الحق تعالى مطالبة لمخلوق هذا ما أعطاه ذلك الكشف من الفائدة فإذا أقامه الحق تعالى في فعل من أفعاله المأمور بها أو المحجور عليه فيها نظر إلى
(٢٣٩)