ثم قيل له إن كنت وارثا فلا ترث إلا الحق فقال وكيف يورث الحق فقال إذا أشهدك الحق غناه عن العالمين فقد تركهم فهذه تركة إلهية لا يرثها إلا أنت إن كنت صاحب هذا الشهود فتعرف من هذا الورث ما لم تكن تعرفه قبله من العالم ثم قيل له لا تخلط بين الأمور وأنزل كل شئ حيث أنزلته حقيقته فلا تقل ما ثم إلا الله ولو كان كذلك وهو كذلك أليست المراتب المعقولة قد ميزت بين كونه كذا وكونه كذا والعين واحدة كما تقول ولكن هو من كذا أمر ومن كذا أمر آخر وأراك تحس بالألم وتهرب منه فما الذي دعاك إلى ما منه تهرب وأراك تحس باللذة وأراك فاقدا ما كنت تطلب فبهذا القدر أثبت عينك واعرف أينك فعلى كل حال الكثرة موجودة والأغيار مشهودة وعالم وجاهل وأمر ومأمور وحاكم ومحكوم عليه ومحكوم به ومحكوم فيه ومريد ومراد وتخيير وجبر وفاصل ومفصول وواصل وموصول وقريب وأقرب ووعد ووعيد فالفائدة في مخاطب ومخاطب وخطاب ومخاطب به الإنسان واحد بجملته وأعضاؤه متميزة وقواه متعددة وهو هو لا غير فأي شئ تألم منه سرى الألم في كله وترى شخصا يتألم وآخر يسر بألمه وآخر يحزن لذلك فلو كان الأمر واحدا كما هو في الإنسان لسرى الألم في العالم بأسره إذا تألم منه واحد فليس الأمر كما تخيلته إذا كشف الغطاء علمت ما أقول فانصح نفسك إن أردت أن تلحق بالعلماء بالله الذين أسعدهم الله فالظاهر لله والباطن كالروح والجسد فكما لا يفترقان كذلك لا يفترقان فما الأمر إلا عبد ورب فما هو إلا أنت وهو فالطائع مهتد والعاصي حائر بين ما أريد منه وما أمر به واعلم أن الله لما أنكح العقل النفس لإظهار الأبناء لا لحصول لذة الابتناء أسكنها أرض الطبيعة فأثرت في مزاجها إذ كانت الأرض تقلب ما يزرع فيها إلى طبيعتها اجعل بالك إلى قوله تعالى تسقى بماء واحد والأرض واحدة وتختلف الطعوم والروائح والألوان فإن قلنا في العسل إنه حلو لذيذ فترى بعض الأمزجة تتألم به ولا تلتذ وتجده مرا وكذلك الروائح والألوان فرأينا هذا الاختلاف يرجع إلى الإدراكات لا إلى الأشياء فرأيناها نسبا لا حقيقة لها في أعيانها إلا من حيث جوهرها ثم قيل له قف عند الإضافات والنسب تعثر على الأمر على ما هو عليه ثم قيل له إذا إيه الله بك فاعلم من أين نوديت وأين كنت ولما ذا دعيت ومن دعاك وما دعاك فكن بحسب ما ينتج لك ما ذكرته ثم قيل له السعادة في الايمان لا في العلم والكمال في العلم فإن جمعت بينهما فأنت إذا أنت ما فوقك غاية ثم قيل له هذه حضرة الأخبار فاجعل بالك لكل خبر يأتيك فيها فإنك إن فقدتها لم تنل في غيرها ما تنال فيها وفيها من العلوم ما أذكره لك إن شاء الله فمن ذلك علم من أين صدر الأمر والنهي وجميع الأحكام والنواميس الوضعية والإلهية وفيه علم التنبيه على حقائق الأشياء بالتصريح والتضمن والإيماء وفيه علم خلق باطن الإنسان دون ظاهره وكم إنسان في الوجود فإذا علمت أنه ما في الوجود إلا ثلاثة أناسا الإنسان الأول الكل الأقدم والإنسان العالم والإنسان الآدمي فانظر ما هو الأتم من هؤلاء الثلاثة وفيه علم ما لا يعلم إلا بالإيمان وفيه علم الموازنة وفيه علم ما يؤثره القصد في الأمور مما لا يقصد وفيه علم الالتحام وفيه علم الدواوين الإلهية والكتاب والعمال والمتصرفين وفيه علم الشروط والشهادات والقضايا المبثوثة في العالم وفيه علم محاسبة الديوان العمال وفيه علم الحركة والسكون وفيه علم الإطلاق الذي لا تقييد فيه فإذا علمه من علمه تقيد فيه وفيه علم الميل والاعتدال وبأيهما يقع التكوين وفيه علم الخواص في الإنسان وهي الطبيعة المجهولة وفيه علم الإهمال والإمهال ومن يتولى ذلك من الأسماء وقوله قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم وفيه علم المحاربة الإلهية وفيه علم المنع الإلهي وهو يناقض الجود المطلق هل اقتضاه من اقتضائه لذاته أو لأمر آخر وفيه علم عصمة الرسل وفيه علم تنوع العالم من أين قبله وما صدر فيما يعطيه الدليل العقلي إلا ممن لا يقبل التنوع وفيه علم الأنبياء والأولياء والعقلاء والفروق بين هؤلاء وفيه علم حكمة التقديم والتأخير الزماني والوجودي والمكاني والرتب وفيه علم القبول والرد وفيه علم ما يجده الحيوان من الخوف هل هو أمر طبيعي أم إلهي ووصف الملائكة بالخوف ولما خافت الملائكة ربها من فوقها فإنه لا يخاف تعالى إلا لما يكون منه مما فوق الملائكة من الأسباب المخيفة وأي الملائكة هم الموصوفون بالخوف هل كلهم أو جنس منهم وفيه علم تدبير الروح الواحدة نفوسا كثيرة ومن هنا تعرف النشأة الآخرة وفيه علم تعظيم العقوبة على المقرب صاحب الرتبة العلياء ولماذا لم تحمه رتبته عن العقوبة والفرق بين العقوبة والعذاب والألم والآلام وفيه علم ما جبلت عليه النفوس من النزاع والمخالفات وفيه
(٢٣١)