ثم الحجاب الآخر في جهلهم بنفوسهم وبما فيهم إن العقل والفكر ما حصل لهم من الحق بتعمل ولا اكتساب بل بوهب إلهي وهم به فرحون فهلا كان فرحهم بما وهبهم الحق من العلم بنور الايمان أعظم من فرحهم بما نالوه من جهة الفكر ثم إنهم من جهلهم وحجابهم إنهم يشهدون في أوقات في علم ما اتخذوه بالفكر شبها تدخل عليهم فيه فتزيله من أيديهم أو تحيرهم فيه فيغتمون لذلك الغم الشديد ويعملون فكرهم في أمر من أنواع الدلالات إما أن يزيل عنهم تلك الشبهات حتى يعلموا أنها شبهات فيرجعوا إلى ما كانوا عليه بلا مزيد ويخسرون ما يعطيه المزيد الإلهي في كل نفس وإما أن يعطيهم الفكر أن تلك الشبهة ليست بشبهة بل هي دليل أعطاهم العلم بضد ما كانوا عليه وأين الأمر الذي كانوا عليه فيفرحون به ويقولون هو علم لم يكن كذلك بل كان شبهة فلو فتح الله عليهم لكانوا في هذا الذي رجعوا إليه تحت إمكان أيضا كما ظهر لهم في حكم الأول الذي رجعوا عنه فلو لم يكن لصاحب الفكر في العلم الإلهي صارف يصرفه عنه إلا هذا لكان فيه كفاية وكلامنا هذا إنما هو في حق المؤمنين من أهل الله وأما من يرى أنه لا يأخذ إلا من الأرواح العلوية وإنها الممدة لهم وإنهم يستنزلونها لتفيدهم وأن جميع ما هم فيه إنما هو منهم كما يرون أن كل ما يحجبهم عن مثل هذا إنما هو نظرهم إلى شهواتهم واشتغالهم بالأمور الطبيعية من أكل وشرب ونكاح وغير ذلك من مثل هذه الأمور فلا كلام لنا معهم فإنهم عبيد أكوان لا عبيد الله ليس لهم من الله رائحة إلا بعلم واحد إنه الأصل من غير تفصيل ولا استرسال واستصحاب وظهور في كل جزء جزء من العالم الأعلى مساحة ومعنى والعالم الأسفل مساحة ومعنى فهم عن هذا كله محجوبون وبه غير قائلين ولما كان الطلسم في أصل الوضع لا يضعه واضعه إلا لخفاء ما يمكن أن يشهد ويحصل أعملت الحيلة في رفع حكم ذلك الطلسم حتى يبدو ما كان يخفيه مما ينتفع به فالإنسان من حيث قيوميته التي يعتقدها في نفسه هو طلسم على نفسه وبتلك القيومية استخدم فكره وجميع قواه لأنه يعتقد أنه رب في ذاته وفي ملكه مالك ثم رأى الحق قد كلفه واستعمله فزاد تحقيقا في قيوميته ولو لم يكن له قيام بما كلفه الحق ما كلفه فيقول باستعمالي لهذه القوي يكون لي الدليل على أني صدقت ربي وهو الصادق فيما كلفني به من استعمالها ولم يتحقق هذا المسكين المواضع التي يستعملها فيها ثم إنهم رأوا أن أشرف ما يكتسبونه بها العلم بذات الله وما ينبغي لها أن تكون عليه فتركوا استعمال قواهم فيما يمكن لهم أن يصلوا إليه واستعملوها فيما لا يمكن الوصول إليه مع تبيين الحق لهم فيما شرع من قول الله ويحذركم الله نفسه أي لا تستعملوا فيها الفكر وقال رسول الله ص لا تتفكروا في ذات الله فعصوا الله ورسوله مع أنهم من أهل الله بالمعصية المقدرة عليهم فلا بد من نفوذ حكمها فيهم فالله يجعلنا ممن عصمه الله أن يستعمل قواه فيما ليس لها التصرف فيه إنه ولي كريم منعم محسان فإذا أراد الله أن يوفقك لرفع حكم هذا الطلسم حتى تشهد ما حجبك عنه وفقك لإزالة قيوميتك بقوميته واستعملك في فقرك وذلك وشهود أصلك واستعمل فكرك في أنك لك موهوب وإنك صادر من عين منته عليك في وجودك وفي تقلبك في أطوار نشأتك المحسوسة والمعنوية وفي إسلامك وإيمانك إلى أن جعلك من أهله واصطنعك لنفسه وحجب غيرك ممن هو مثلك لا ليد لك عليه بل سابق عناية بك ومنة اختصاص فإذا وفقك لمثل هذا النظر وفقك للنظر أيضا في قواك وما بين لك من مصارفها فلم تتعد بها مصرفها الإلهي ووقفت عند حدوده وعرفت قدرك فعرفت قدره وجعلت أمرك كله فيما تصرفت فيه وهبا إلهيا من عين منته ونظرت إليه بنور الايمان الذي وهبك إياه فأشهدك الأمور كما هي عليه في نفسها وكشف لك عن الحق ورزقك اتباعه وكشف لك عن الباطل ورزقك الاجتناب عنه ورأيت جماعة في هذا الكشف من أصحاب الأفكار العقلاء النظار قد أراهم الفكر الحق باطلا فحققوه فاجتنبوا الحق واتبعوا الباطل ولا علم لهم بذلك إذ الباطل في جبلة كل أحد اجتنابه فإذا رأيتهم على ذلك رحمتهم فربما تدعوهم إليه وهم يقذفون بالغيب من مكان بعيد فيجهلونك فيما تدعوهم إليه من الحق كما كان ص يدعو أهل الشرك إلى التوحيد فيقول إذا دعاهم إلى ذلك ودعوه إلى ما هم عليه ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار فيا ولي لا تقل في جوابي إنهم أيضا يقولون له مثل ما قال لهم ليس الأمر كذلك فإنهم
(٢٣٣)