الكون أعمى لنقص كامن فيه * والنور ليس به نقص فيخفيه لك الكمال ولي ضد الكمال لذا * بيني وبينك وعدما نوفيه قد قلت إنك معروف بمعرفتي * وبحر جهلي عقلي مغرق فيه هبني من الحال ما قد كنت فيه لكم * لا لي فإن حجابي في تجليه إني لا عجب مني حين أسرى بي * وكيف أثر قربى في تدليه لولا دنوي لما قام التدلل به * وما أنا علة فيما يؤديه فقل لعلمك لا تفرح فما ظفرت * يداك إلا بجهل ظاهر فيه (ومن هذا المنزل أيضا قولنا) لولا دنوي لما تدلى * ولا تدانى ولا تجلى * فآب عنه وجود عيني * وقد تعالى لما تحلى فقمت في أرضه إماما * خليفة سيدا معلى * أحكم فيه بحكم ربي * وهو عن العين ما تخلى فعند ما تم لي مرادي * ناديت مولاي قال مهلا * خذني إلى ما خرجت منه * فقال أهلا بكم وسهلا اعلم وفقك الله تعالى أن الله سبحانه يغار لعبده المنكسر الفقير أشد مما يغار لنفسه فإنه طلب من عباده أن يغار والله إذا انتهكت حرماته غير إن غيرتك لله تعود محمدتها عليك وغيرته عز وجل لك تعود محمدتها أيضا عليك لا عليه فهو سبحانه وتعالى يثني عليك بغيرته لك ويثني عليك بغيرتك له فأنت المحمود على كل حال وبكل وجه وهذا الفصل أرفع مقام يكون للعبد ليس وراء مقام أصلا فينبغي للعبد أن يغار لنفسه في هذا المقام ولا بد فإن الله يغار له فإذا حضر ملك مطاع نافذ الأمر وقد جاءك مع عظم مرتبته زائرا وجاءك فقير ضعيف في ذلك الوقت زائرا أيضا فليكن قبولك على الفقير وشغلك به إلى أن يفرع من شأنه الذي جاء إليه فإن تجلى الحق عند ذلك الفقير أعلى وأجل من تجليه في صورة ذلك الملك فإنك تعاين الحق في الملك المطاع تجليا في غير موطنه اللائق به على غير وجه التنزيه الذي ينبغي له وأنى للعبد برتبة السيادة فإذا ظهر فيها وبها فقد أخل بها وأشكل الأمر على الأجانب فما عرفوا السيد من العبد إذا رأوه على صورته في مرتبته ولذلك قال تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر أي لا تأخذكم في الله لومة لائم وكان سبب هذه الآية أن زعماء الكفار من المشركين كالأقرع بن حابس وأمثاله قالوا ما يمنعنا من مجالسة محمد إلا مجالسته لهؤلاء الأعبد يريدون بلالا وخباب بن الأرت وغيرهما فكبر عليهم إن يجمعهم والأعبد مجلس واحد وكان رسول الله ص حريصا على إيمان مثل هؤلاء فأمر أولئك الأعبد إذا رأوه مع هؤلاء الزعماء لا يقربوه إلى أن يفرع من شأنهم أو إذا قبل الزعماء والأعبد عنده إن يخلو لهم المجلس فأنزل الله هذه الآية غيرة لمقام العبودية والفقر أن يستهضم بصفة عز وتأله ظهر في غير محله فكان رسول الله ص بعد ذلك إذا جالس هؤلاء الأعبد وأمثالهم لا يقوم حتى يكونوا هم الذين يقومون من عنده ولو أطالوا الجلوس وكان يقول ص إن الله أمرني أن أحبس نفسي معهم فكان إذا أطالوا الجلوس معه يشير إليهم بعض الصحابة مثل أبي بكر وغيره إن يقوموا حتى يتسرح رسول الله ص لبعض شؤونه فهذا من غيرة الله لعبده الفقير المنكسر وهو من أعظم دليل على شرف العبودة والإقامة عليها وهو المقام الذي ندعو له الناس فإن جميع النفوس يكبر عندهم رب الجاه ورب المال لأن العزة والغني لله تعالى فحيثما تجلت هذه الصفة تواضع الناس وافتقروا إليها ولا يفرقون بين ما هو عز وغني ذاتي وبين ما هو منهما عرضي إلا بمجرد مشاهدة هذه الصفة ولهذا يعظم في عيون الناس من استغنى عنهم وزهد فيما في أيديهم فترى الملوك على ما هم عليه من العزة والسلطان كالعبيد بين يدي الزهاد وذلك لغناهم بالله وعدم افتقارهم إليهم في عزهم وما في أيديهم من عرض الدنيا فإذا التمس الفقير من الغني بالمال شيئا من عز أو مال سقط من عينه بقدر ذلك مع كونه يبادر لقضاء حاجته حتى لو وزنت
(١٨)