من هو جليسه فإنه في تلك الحالة كان جليسا مع الأسماء من حيث ما هي دالة على الذات كل واحد منها لم يكن مع الاسم من حيث ما تطلبه حقيقته من عين دلالته على الذات فأنكر ما لم يعطه مشهده مع كونه كلام الحق وقد وقع منه الإنكار بل ما وقع منه إلا التعجب خاصة فهو يشبه الإنكار وليس بإنكار حتى أنه لو كان هذا القول من غير الله لأمر القائل بالسكوت وزجره عن ذلك وإنما الرجل أظهر التعجب من قول الله في حق المتقين الذين هم جلساء الله كيف يحشرون إليه فكأنه إبراهيمي المشهد في طلب الكيفية في إحياء الموتى فأراد أبو يزيد ما أراده إبراهيم في كيفية إحياء الموتى لاختلاف الوجوه في ذلك لا إنكار إحياء الموتى فدل هذا الكلام من أبي يزيد على حاله في ذلك الوقت فهذا مثل قول إبراهيم يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن والرحمة تناقض العذاب إلا على الوجه الذي قررناه في المنزل الذي قبل هذا المنزل وهو منزل فتح الأبواب كذلك أبو يزيد لو علم إن المتقي ما هو جليس الرحمن وإنما هو جليس الجبار المريد العظيم المتكبر فيحشر المتقي إلى الرحمن ليكون جليسه فيزول عنه الاتقاء فإن الرحمن لا يتقى بل هو محل موضع الطمع والإدلال والأنس لكنهم رضي الله عنهم صادقون لا يتعدون ذوقهم في كل حال بخلاف العامة من أهل الله فإنهم يتكلمون بأحوال غيرهم والخاصة لا سبيل لهم إلى ذلك وإن اتفق أن يتكلم أحد منهم في حال نبي أو ولي هو فوقه فيبين أنه مترجم عن حال غيره حتى بعرف السامع عمن يقول هذه حالهم رضي الله عنهم ولا يقع منهم مثل هذا إلا في النادر لضرورة تدعو إليه فإن لهم الكشف الخبري عن مقامات من هو فوقهم وما لهم الكشف الذوقي إلا فيما هو مقامهم وحالهم فلو لا هذه الحجب التي أسد لها الله بين الأكوان وبينه ما تميزت المراتب واختلطت الحقائق وهذا سبب وضع الحدود في الأشياء وقد لعن الله من غير منار الأرض (وصل) ومن هذا الباب أن الله ما جمع لأحد بين مشاهدته وبين كلامه في حال مشاهدته فإنه لا سبيل إلى ذلك إلا أن يكون التجلي الإلهي في صورة مثالية فحينئذ يجمع بين المشاهدة والكلام وهذا غير منكور عندنا وقد بلغنا عن الشيخ العارف شهاب الدين السهروردي ببغداد رضي الله عنه أنه قال بالجمع بين المشاهدة والكلام ولكن ما نقل عنه أكثر من هذا فإني سألت الناقل فلم يذكر لي نوع التجلي والظن بالشيخ جميل فلا بد أن يريد التجلي الصوري ألا ترى السياري من رجال رسالة القشيري حيث قال ما التذ عاقل بمشاهدة قط ثم فسر فقال لأن مشاهدة الحق فناء ليس فيها لذة والخطاب في حال الفناء لا يصح لأن فائدة الخطاب أن يعقل ولذلك قال وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب وما زال البشر عن حكم البشرية كمسألة موسى والحجاب عين الصورة التي يناديه منها وما يزول البشر عن بشريته وإن فنى عن شهودها فعين وجودها لا يزول والحد يصحبها وإنما قلنا هذا لأني سمعت بعض الشيوخ يقول هذا حظ البشر فإذا زال عن بشريته كان حكمه حكما آخر فأبنت له رضي الله عنه إن الأمر ليس كما يظنه فلما تحقق ما ذكرناه رجع عن ذلك وقال ما كنت أظن إلا إن الأمر على ما قلته لم أجعل بالي من هذا فإنه تكلم في شرح الآية فغلط ما تكلم في ذلك عن ذوق الأمر ومن هنا يقع الغلط ونحن نعلم أن الذي قاله الله حق كله وإنه لا يخالف الأذواق فلا بد أن يكون كلام الذائق مطابقا للاخبارات الإلهية حتى يقول من لا معرفة له بمقام الرجال إن هذا المتكلم يتكلم بما لا يخالف ما جاء به قرآن أو سنة إنما هو أخذه منهما وهو مفسر لهما وصاحب الذوق ما قال إلا ما ذاقه فمن المحال أن يخالف شيئا مما جاء عن الله لكن الأجنبي الذي لا ذوق له يقول هذا عن الذائق بل جماعة من أهل الطريق ممن لا ذوق لهم يتخيلون مثل هذا ويقولون إن فلانا يتكلم من حيثما ورد في الأخبار الإلهية ليس له مادة غيرها وينكرون الذوق لأنهم ما عرفوه من نفوسهم مع كونهم يعتقدون في نفوسهم أنهم على طريق واحدة وكذلك هو الأمر أصحاب الأذواق هم على طريق واحدة بلا شك غير أن فيهم البصير والأعمى والأعشى فلا يقول واحد منهم إلا ما أعطاه حاله لا ما أعطاه الطريق ولا ما هو الطريق عليه في نفسه ولا سيما السلوك المعنوي فإن عمى القلوب أشد من عمى الأبصار فإن عمى القلوب يحول بينك وبين الحق وعمى البصر الذي لم ير قط صاحبه ليس يحول إلا بينك وبين الألوان خاصة ليس له إلا ذلك وهذا العمي من الحجب وكذلك الصمم والقفل والكن
(٢١٣)