إذا غبت عنه حل فيه وطنبت * على منكب الكشف المصون خيامه وجاء حديث لا يمل سماعه * شهي إلينا نثره ونظامه فما جعل حجابا عليك سواك ثم نرجع إلى مسألتنا ونقول أما موسى ع فكان قد استفرغه طلب النار لأهله وهو الذي أخرجه لما أمر به من السعي على العيال والأنبياء أشد الناس مطالبة لأنفسهم للقيام بأوامر الحق فلم يكن في نفسه سوى ما خرج إليه فلما أبصر حاجته وهي النار التي لاحت له من الشجرة من جانب الطور الأيمن ناداه الحق من عين حاجته بما يناسب الوقت إنني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى ولم يقل لما أوحى إنني أنا الله فثبته الخطاب الأول بالنداء لأنه خرج على إن يقتبس نارا أو يجد على النار هدى وهو قوله أو آتيكم منها بخبر أي من يدله على حاجته فكان منتظرا للنداء قد هيأ سمعه وبصره لرؤية النار وسمعه لمن يدله عليها فلما جاءه النداء بأمر مناسب لم ينكره وثبت فلما علم إن المنادي ربه وقد صح له الثبوت وجاءه النداء من خارج لا من نفسه ثبت ليوفي الأدب حقه في الاستماع فإنه لكل نوع من التجلي حكم وحكم نداء هذا التجلي التهيؤ لسماع ما يأتي به فلم يصعق ولا غاب عن شهوده فإنه خطاب مقيد بجهة مسموع بإذن وخطاب تفصيلي فالمثبت للإنسان على حسه وشهود محسوسه قلبه المدبر لجسده ولم يكن لهذا الكلام الإلهي الموسوي توجه على القلب فليس للقلب هنا إلا ما يتلقاه من سمعه وبصره وقواه حسبما جرت به العادة فلم يتعد الحال حكمه في موسى ع وأما أمر محمد ص فهو نزول قلبي وخطاب إجمالي كسلسلة على صفوان فاجعل بالك لهذا التشبيه فاشتغل القلب بما نزل إليه ليتلقاه فغاب عن تدبير بدنه فسمى ذلك غشية وصعقا وكذلك الملائكة أخبر النبي ص عن الملائكة في طريان هذا الحال أنه إذا كان الوحي المتكلم به كسلسلة على صفوان وكان نزوله على قلوب الملائكة فإنه قال حتى إذا فزع عن قلوبهم ثم لما أفاقوا أخبر عنهم بأنهم يقولون ما ذا وهنا وقف ثم يجيبهم فيقول ربكم وهنا وقف فيقولون الحق بالنصب أي قال الحق كذا علمناه وهو العلي عن هذا النزول في هذا النزول الكبير عن هذا التشبيه في هذه النسبة وعلى الوجه الآخر قالوا ما ذا قال ربكم وهنا وقف فيقول بعضهم لبعض الحق وهو العلي الكبير من قول الله لا من قول الملائكة فعلى الوجه الأول لما أفاقوا وزال الخطاب الإجمالي المشبه وزالت البديهة قالوا ما ذا فقال لهم ربكم وهو قوله قال ربكم فما صعقوا عند هذا القول بل ثبتوا وقالوا الحق أي قال الحق أي قال ربنا القول الحق يعنون ما فهموه من الوحي أو قوله قال ربكم أو هما معا وهو الصحيح فهذا الفرق بين حال موسى ع وبين حال محمد ص وحال الملائكة ع واعلم أن في هذا المنزل من العلوم علم ثناء الحق على نفسه بخلقه وهو المثنى على نفسه بغناه عن خلقه فأي الثناءين أتم وأحق وما هو الحق من هذين الثناءين وما هو الحقيقة منهما أو كلاهما حقيقتان لحقين أو هما حقان ولهما حقيقتان وفيه علم الفرق بين العلم والحكمة والخبرة وفيه علم العلم بما في العالم بتقاسيم أحوالهم وفيه علم النيابة في الأجوبة عن الله ولا يكون ذلك إلا لرسول أو نبي أو وارث عن سماع لخطاب إلهي لا عن تجل ولا خطاب حال وفيه علم علم الله وفيه علم أين أودع الله علمه في خلقه من العوالم وهل أودعه في واحد أو فيما زاد على واحد وفيه علم بما ذا تتميز به القبضتان في عالم الشهادة وبما ذا تتميز به في عالم الغيب وفيه علم الدلالة على العلماء وأصحاب الأخبار الإلهية لنعرفهم فنتلقى منهم ما يأتون به عن الله فنساويهم في العلم بذلك رغبة في إن تلحق نفوسنا بنفوسهم في الصورة وإن اختلفت الطرق فلا أثر لاختلافها في صورة العلم وهذا هو الذي يحرض الأكابر من العلماء الأكابر على نشر العلم كما يحرض المتعلمين على طلب العلم من أكابر العلماء الذين يعلمون أنهم أعلم بالله منهم ومن هذا قال الرجل للتلميذ لأن ترى أبا يزيد مرة خير لك من أن ترى الله ألف مرة لفضله عليه في العلم بالله لما علم إن ظهور الحق لعباده على قدر علمهم به فرؤيتنا الله بعلم العلماء به إذا استفدناه منهم أتم من رؤيتنا بعلمنا قبل إن نستفيده منهم وفيه علم إحاطة الاعتبار بالجهات وإن أن الاعتبار لا يخص حالا من حال ولا جهة من جهة وأنه علم عام وهو علم يعطي الدلالة لمن رجع إلى الله بالعبودة وفيه علم الأمر والنهي الإلهي بالمساعدة في العبادة وأعمال الخير وفيه علم إرسال النعم
(٢١٥)