بها ياقوتة يتيمة لا أخت لها وإن اجتمعت معها في المقدار فما اجتمعت معها في القدر ولا في الذات ولا في الخاصية تعالى الله فالزم عبوديتك واعرف قدرك واعلم أن الله قد جعل من مخلوقاته من هو أكبر منك وإن كان خلقه من أجلك ولكن لا يلزم إذا خلق شيئا من أجلك أن تكون أنت أكبر منه فإن السكين عمل من أجل أمور منها قطع يد السارق والنار خلقت من أجل عذاب الإنسان فالإنسان أشرف من النار لأنها خلقت من أجله فهذا الفصل لا يطرد فلا تدخله ميزانك فأنت أنت وهو هو لا إله إلا هو العزيز الحكيم ليس كمثله شئ وهو السميع البصير فبهذا قد أعلمتك بالميزان العلمي المشروع والمعقول وما يحتاج إليه من ذلك فلنبين لك ميزان العمل فاعلم إن العمل منه حسي وقلبي وميزانه من جنسه فميزان العمل أن ينظر إلى الشرع وكيف أقام صور الأعمال على أكمل غاياتها قلبيا كان ذلك العمل أو حسيا أو مركبا من حس وقلب كالنية والصلاة من الحركات الحسية فقد أقام الشرع لها صورة روحانية يمسكها عقلك فإذا شرعت في العمل فلتكن عينك في ذلك المثال الذي أخذته من الشارع واعمل ما أمرت بعمله في إقامة تلك الصورة فإذا فرغت منها قابلها بتلك الصورة الروحانية المعبر عنه بالمثال الذي حصلته من الشارع عضوا عضوا ومفصلا مفصلا ظاهرا وباطنا فإن جاءت الصورة فيها بحكم المطابقة من غير نقصان ولا زيادة فقد أقمت الوزن بالقسط ولم تطغ فيه ولم تخسره فإن الزيادة في الحد عين النقص في المحدود فإذا وزنت عملك مثل هذا الوزن كانت صورة عملك مقدارا للجزاء الذي عينه الحق لك عليه سواء كان ذلك العمل محمودا أو مذموما فإن الشرع أيضا كما أقام لك صورة العمل المحمود لتعمله وبينه لك لتعرفه كذلك أقام لك صورة العمل المذموم لتعرفه وتميزه من المحمود ونهاك أن تعمل عليه صورة تطابقه فإن خالفت وعملت صورة تطابق تلك الصورة طلبت تلك الصورة موازنتها من الجزاء فإن اتفق أن يدخلها الحق في الميزان بالجزاء فإنه لا يزيد عليها في المقدار وزن ذرة أصلا هذا إذا أقام الوزن عليه بالجزاء وكان عذابه في النار جزاء على قدر عمله لا يزيد ولا ينقص لا في العمل ولا في مقدار الزمان والإصرار من الأعمال المنهي عن عملها ولا يزيله إلا التوبة فإن مات عليه خيف عليه ولم يقطع وإذا أدخل الحق صورة العمل الصالح الميزان ووزنه بصورة الجزاء رجحت عليه صورة الجزاء أضعافا مضاعفة وخرجت عن الحد والمقدار منة من الله وفضلا وهو قوله تعالى من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها كما ذكرناه وقال في الأخرى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وقال مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء ولم يجعل للتضعيف في الخير مقدارا يوقف عنده بل وصف نفسه بالسعة فقال والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم وقال إن ربك واسع المغفرة وقال ورحمتي وسعت كل شئ وغضبه شئ فقد وسعته الرحمة وحصرته وحكمت عليه فلا يتصرف إلا بحكمها فترسله إذا شاءت وفيه رائحة الرحمة من أجل المنزل وتمسكه إذا شاءت ولهذا ليس في البسملة شئ من أسماء القهر ظاهرا بل هو الله الرحمن الرحيم وإن كان يتضمن الاسم الله القهر فكذلك يتضمن الرحمة فما فيه من أسماء القهر والغلبة والشدة يقابله بما فيه من الرحمة والمغفرة والعفو والصفح وزنا بوزن في الاسم الله من البسملة ويبقى لنا فضل زائد على ما قابلنا به الأسماء في الاسم الله وهو قوله الرحمن الرحيم فأظهر عين الرحمن وعين الرحيم خارجا زائدا على ما في الاسم الله منه فزاد في الوزن فرجح فكان الله عرفنا بما يحكمه في خلقه وأن الرحمة بما هي في الاسم الله الجامع من البسملة هي رحمته بالبواطن وبما هي ظاهرة في الرحمن الرحيم هي رحمته بالظواهر فعمت فعظم الرجاء للجميع وما من سورة من سور القرآن إلا والبسملة في أولها فأولناها إنها إعلام من الله بالمال إلى الرحمة فإنه جعلها ثلاثا الرحمة المبطونة في الاسم الله والرحمن الرحيم ولم يجعل للقهر سوى المبطون في الاسم الله فلا عين له موجودة كالكناية في الطلاق ينوي فيه الإنسان بخلاف الصريح فافهم وأما سورة التوبة فاختلف الناس فيها هل هي سورة مستقلة كسائر سور القرآن أو هل هي وسورة الأنفال سورة واحدة فإنهم كانوا لا يعرفون كمال السورة إلا بالفصل بالبسملة ولم يجئ هنا فدل أنها من سورة الأنفال وهو الأوجه وإن كان لتركها وجه وهو عدم المناسبة بين الرحمة والتبري ولكن ما لهذا الوجه تلك القوة بل هو وجه ضعيف وسبب ضعفه أنه في الاسم الله المنعوت بجميع الأسماء ما هو في اسم خاص يقتضي المؤاخذة والبراءة إنما هي
(٩)