قضاء الدين وقبض الثمن إلى الترجيح فقال أرجح له حين وزن له فما أعطاه خارجا عن استحقاقه بعين الميزان فهو فضل لا يدخل الميزان إذا الوزن في أصل وضعه إنما وضع للعدل لا للترجيح وكل رجحان يدخله فإنما هو من باب الفضل وإن الله لم يشرع قط الترجيح في الشر جملة واحدة وإنما قال والجروح قصاص وقال وجزاء سيئة سيئة مثلها ولم يقل أرجح منها وقال فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ولم يقل بأرجح فمن عفا وأصلح فأجره على الله فرجح في الإنعام وما ندب الله عباده إلى فضيلة وكريم خلق إلا وكان الجناب الإلهي الأعلى أحق بذاك وهذا من سبق رحمته غضبه فالنار ينزل فيها أهلها بالعدل من غير زيادة والجنة ينزل فيها أهلها بالفضل فيرون ما لا تقتضيه أعمالهم من النعيم ولا يرى أهل النار من العذاب إلا قدر أعمالهم من غير زيادة ولا رجحان إلى أن يفعل الله بهم ما يريد بعد ذلك ولذلك قال في عذابهم إن ربك فعال لما يريد وما يعلم أحد من خلق الله حكم إرادة الله في خلقه إلا بتعريفه ألا تراه في حق السعداء يقول عطاء غير مجذوذ والصورة واحدة والمدة واحدة ولم يقل في العذاب إنه غير مجذوذ لكن يقطع بأنهم غير خارجين من النار ولا يعرف حالتهم فيها في حال الاستثناء ما يفعل الله فيهم فلا يقضى في ذلك بشئ مع علمنا بأن رحمته سبقت غضبه وعلمنا بأن الله يجزي كل نفس بما عملت وقد قام الدليل على الفضل في أهل السعادة وما جاء مثل ذلك في الأشقياء وهذه مسألة يقف عندها صاحب الفكر أو يحكم بغلبة الظن لا بالقطع إلا صاحب الكشف فإنه يعلم بما أعلمه الله من ذلك غير أن ابن قسي وهو من أهل هذا الشأن قال لا يحكم عدله في فضله ولا فضله في عدله وهذا كلام مجمل فلا أدري هل قاله عن كشف أو عن اعتبار وفكر وهذا الكلام من وجه ينافي قوله تعالى سبقت رحمتي غضبي ومن وجه لا ينافيه فإن الحقائق تعطي أن الفضل لا يحكم في العدل وأن العدل لا يحكم في الفضل فإنه ليس كل واحد من النعتين محلا لحكم الآخر وإن محل حكم الصفة أنما هو في المفضول عليه أو المعدول فيه وإنا قد علمنا من الله تعالى إن الله يتفضل بالمغفرة على طائفة من عباده قد عملوا الشر ولم يقم عليهم ميزان العدل ولا آخذهم بعدله وإنما حكم فيهم بفضله ولا يقال في مثل هذا إنه حكم فضله في عدله وهو الذي يليق بابن قسي رحمه الله إنه أنبأ عن حقيقة كما هو الأمر عليه في نفسه وإذا خالف الكشف الذي لنا كشف الأنبياء ع كان الرجوع إلى كشف الأنبياء ع وعلمنا إن صاحب ذلك الكشف قد طرأ عليه خلل بكونه زاد على كشفه نوعا من التأويل بفكره فلم يقف مع كشفه كصاحب الرؤيا فإن كشفه صحيح وأخبر عما رأى ويقع الخطاء في التعبير لا في نفس ما رأى فالكشف لا يخطئ أبدا والمتكلم في مدلوله يخطئ ويصيب إلا أن يخبر عن الله في ذلك فأما ميزان العلم العقلي فهو على قسمين قسم يدركه العقل بفكره وهو المسمى بالمنطق في المعاني وبالنحو في الألفاظ وهذا ليس هو طريق أهل هذا الشأن أعني علم ما اصطلحوا عليه من الألفاظ المؤدية إلى العلم به من البرهان الوجودي والجدلي والخطابي والكلية والجزئية والموجبة والسالبة والشرطية وغير الشرطية وإن اجتمعنا معهم في المعاني ولا بد من الاجتماع فيها ولكن لا يلزم من الاجتماع في المعنى أن لا يكون ذلك إلا من طريق هذه الألفاظ وكذلك لا يلزمنا معرفة المبتدأ والابتداء والفاعل والمفعول والمضاف والمصدر والإضافة واسم كان واسم إن والإعراب والبناء وإن علمنا المعاني ولكن لا يلزم أن نعرف هذه الألفاظ فصاحب الكشف على بصيرة من ربه فيما يدعو إليه خلقه ولكن للعقل قبول كماله فكر ولذلك القبول في الكشف ميزان قد عرفه فيقيمه في كل معلوم يستقل العقل بإدراكه لكن لا يعلمه هذا الولي من طريق الفكر وميزان المنطق فالذي دخل في طريقنا من ميزان العلم العقلي هو إذا ورد العلم الذي يحصل عقيب التقوى من قوله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله ومن قوله إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا فالعارف عند ذلك ينظر في تقواه وما اتقى الله فيه من الأمور وما كان عليه من العمل وينظر في ذلك العلم ويناسب بينه وبين تقواه في العمل الذي كان عليه فإن موازين المناسبات لا تخطئ فإذا رأى المناسبة محققة بين العلم المفتوح عليه به وبين ذلك العمل ورأى أن ذلك العمل يطلبه فذلك العلم مكتسب له بعمله فإذا رآه خارجا عن الميزان وترتفع المناسبة أو يكون ما زاد من جنس ما حصل ولكن لا يقتضيه قوة عمله لضعف أو نقص كان في عمله فما زاد على هذا المقدار فهو من علوم الوهب وإن كان له أصل في الكسب فيتعين عليه أن يشكر الله سبحانه على
(٧)