تقع بيد الرحمن فالرحمن قابلها فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ولم يقل كما يربي أحدكم ولده فإن الولد قد لا ينتفع به إذا كان ولد سوء فالنفع بالولد غير محقق بل ربما يطرأ عليه منه من الضرر بحيث أن يتمنى أن الله لم يخلقه والفلو والفصيل ليس كذلك فإن المنفعة بهما محققة ولا بد إما بركوبه أو بما يحمل عليه أو بثمنه أو بلحمه يأكله إن احتاج إليه فشبهه سبحانه 7 بما يتحقق الانتفاع به ليعلم المصدق أنه ينتفع بصدقته ولا بد وأول الانتفاع بها إنها تظله يوم القيامة من حر الشمس حتى يقضى بين الناس ومما يلده الإنسان الكلمة الطيبة وقد قال ص إن الكلمة الطيبة صدقة فتربي أيضا له ويتولى الحق بنفسه تربية كل ما يلده العبد من النكاح لا من السفاح وإذا كان الملك يتولى تربية ولد عبده بنفسه هل يقدر ما يصل إليه من الخير من جهة ولده فأول ذلك إن الولد يعرف منزلة أبيه من الملك وإنه ما رباه الملك وأكرمه بذلك إلا لعلو رتبة أبيه عنده فيرى المنة لأبيه عليه بذلك فيكون بارا به محسنا إليه بنفسه إعظاما لمرتبة الملك وعنايته بأبيه وعلى هذا تجري أفعال العارفين من عباده وكل ما تكلمنا فيه من هذا المنزل فهو من خارج بابه لم نتعرض لما يحوي عليه لضيق الوقت وطلب الاختصار وما اتفق لي مثل هذا في العبارة عن غيره من المنازل لأني وجدت عند باب هذا المنزل صور علم ما ذكرته ولم نستوف جميع ما رأيته على بابه فكان هذا القدر مما في هذا المنزل كالغلمان والحدادين والحجاب الذين على باب الملك وأما فهرست ما يتضمنه هذا المنزل فهو معرفة العالم العلوي والسفلي بين الدارين وعلم إبراز الغيوب من خلف الحجب ولما ذا حجبت ولما ذا أخرجت وما أخرج منها وما بقي وما ينتظر إخراجه من ذلك وما لا يصح إخراجه مما هو ممكن أن يخرج فمنعه مانع فما ذلك المانع وهل يخرج عن سماع أو عن غير سماع وإذا كان عن سماع فعن كراهة أو عن محبة وسرور أو ينقسم إلى هذا وإلى هذا بحسب الأحوال التي تعطيها الأوقات ومن علوم هذا المنزل أيضا علم الزيادة في الشئ من نفسه لا من غيره كنشر المطوي وبسط المقبوض وعلم إخراج الكنوز المحسوسة بالأسماء وما تعطيه من الخواص في ذلك بحيث أن يقف العارف بذلك على موضع الكنز فيتكلم بالاسم فيشق الأرض عن المال المكنوز فيها كما تنشق الكمامة عن الزهرة فإذا أبصرها تكلم باسم آخر فيخرج المال بتلك الخاصية كما ينجذب الحديد إلى المغناطيس حتى لا يبقى من ذلك المال في ذلك الموضع شئ ويتضمن علم الأعمال المشروعة وأين ما لها وما يلقاه منها ويتضمن علم السعادة والشقاء بالعلامات ويتضمن علم الجهات ولما ذا ترجع واتصاف الحق بالفوقية هل هي فوقية جهة أو فوقية رتبة ويتضمن معرفة أحوال الناس في منازلهم التي ينزلونها في الدار الآخرة وما سبب تلك الأحوال التي يتقلبون فيها في تلك المنازل وهل تتكرر عليهم بأعيانها في أزمنتها التي كانت فيها أم لا ويتضمن رؤية الله عباده لآية نسبة ترجع ويتضمن شرف الكواكب والزمان من غير مفاضلة ويتضمن علم نفي الايمان مع وجود العلم وهذا من أقلق الأمور عند المحقق وفيها علم البشري وإنها لا تختص بالسعداء في الظاهر وإن كانت مختصة بالخير فقوله تعالى فبشرهم بعذاب أليم والكلام على هذه البشرى لغة وعرفا فأما البشرى من طريق العرف فالمفهوم منها الخير ولا بد ولما كان هذا الشقي ينتظر البشرى في زعمه لكونه يتخيل أنه على الحق قيل بشره لانتظاره البشرى ولكن كانت البشرى له بعذاب أليم وأما من طريق اللغة فهو إن يقال له ما يؤثر في بشرته فإنه إذا قيل له خير أثر في بشرته بسط وجه وضحكا وفرحا واهتزاز أو طربا وإذا قيل له شر أثر في بشرته قبضا وبكاء وحزنا وكمدا واغبرارا وتعبيسا ولذلك قال تعالى وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة فذكر ما أثر في بشرتهم فلهذا كانت البشرى تنطلق على الخير والشر لغة وأما في العرف فلا ولهذا أطلقها الله تعالى ولم يقيدها فقال في حق المؤمنين لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولم يقل بما ذا فإن العرف يعطي أن ذلك بالخير وقرينة الحال وفيه العلم بالأبد ولما ذا يرجع وهل الأبد زماني أو هو عين الزمان وبما ذا يبقى الزمان هل يبقى بنفسه أو يبقى بغيره يكون له ذلك الغير كهو معنا ظرفا لبقائه ودوامه أو هو أمر متوهم ليس له وجود حقيقي عيني والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
(٥)