أنفسها فهو عالم الغيب والشهادة والأشياء في الغيب لا كمية لها إذ الكمية تقتضي الحصر فيقال كم كذا وكذا وهذا لا ينطلق عليها في الغيب فإنها غير متناهية فكم وكيف والأين والزمان والوضع والإضافة والعرض وأن يفعل وأن ينفعل كل ذلك نسب لا أعيان لها فيظهر حكمها بظهور الجوهر لنفسه إذا أبرزه الحق من غيبه فإذا ظهرت أعين الجواهر تبعتها هذه النسب فقيل كم عين ظهرت فقيل عشرة أو أكثر أو أقل فقيل كيف هي فقيل مؤلفة فعرض لها الجسمية فصحت الكيفية بالجسمية وحلول الكون واللون فقيل أين فقيل في الحيز أو المكان فقيل متى فقيل حين كان كذا في صورة كذا فقيل ما لسانه فقيل أعجمي أو عربي فقيل ما دينه فقيل شريعة كذا فقيل هل ظهر منه ما يكون من ظهور آباء كما ظهر هو من غيره فقيل هو ابن فلان قيل ما فعل قيل أكل قيل ما انفعل عن أكله قيل شبع فهذه جملة النسب التي تعرض للجواهر إذا أخرجها الله من غيبه فليس في الوجود المحدث إلا أعيان الجوهر والنسب التي تتبعه فكان الغيب بما فيه كأنه يحوي على صورة مطابقة لعالمه إذ كان علمه بنفسه علمه بالعالم فبرز العالم على صورة العالم من كونه عالما به فصورته من الجوهر ذاته ومن الكم عدد أسمائه ومن الكيف قوله كل يوم هو في شأن وسنفرغ لكم أيها الثقلان والرحمن على العرش استوى وأمثال هذا فيما أخبر به عن نفسه كثير والأين كان الله في عماء وهو الله في السماء والزمان كان الله في الأزل والوضع وكلم الله موسى تكليما فأجره حتى يسمع كلام الله فجميع الشرائع وضعه والإضافة خالق الخلق مالك الملك وأن يفعل بيده الميزان يخفض القسط ويرفعه وأن ينفعل يدعى فيجيب ويسأل فيعطي ويستغفر فيغفر وهذه كلها صورة العالم وكل ما سوى الله قد ظهر على صورة موجدة فما أظهر إلا نفسه فالعالم مظهر الحق على الكمال فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم إذ ليس أكمل من الحق تعالى فلو كان في الإمكان أكمل من هذا العالم لكان ثم من هو أكمل من موجدة وما ثم إلا الله فليس في الإمكان إلا مثل ما ظهر لا أكمل منه فتدبر ما قلته فهو لباب المعرفة بالله ثم إن الله اختصر من هذا العالم مختصرا مجموعا يحوي على معانيه كلها من أكمل الوجوه سماه آدم وقال إنه خلقه على صورته فالإنسان مجموع العالم وهو الإنسان الصغير والعالم الإنسان الكبير أو سم الإنسان العالم الصغير كيفما شئت إذا عرفت الأمر كما هو عليه في نفسه وعينه فأنسب إليه واصطلح كما تريد فلا فضل للإنسان على العالم بجملته والعالم أفضل من الإنسان لأنه يزيد عليه درجة وهي أن الإنسان وجد عن العالم الكبير فله عليه درجة السببية لأنه عنه تولد قال تعالى وللرجال عليهن درجة لأن حواء صدرت من آدم فلم تزل الدرجة تصحبه عليها في الذكورة على الأنوثة وإن كانت الأم سببا في وجود الابن فابنها يزيد عليها بدرجة الذكورة لأنه أشبه أباه من جميع الوجوه فوجب على الإنسان تعظيم أبويه فأمه العالم بأسره وأبوه معروف غير منكور والنكاح التوجه فخرج الولد على صورة أبويه ولما كان الولد لا يدعى إلا لأبيه لا ينسب إلى أمه لأن الأب له الدرجة وله العلو فينسب إلى الأشرف ولما لم يتمكن لعيسى ع إن ينسب إلى من وهبه لها بشرا سويا أعطيت أمه الكمال وهو المقام الأشرف فنسب عيسى إليها فقيل عيسى ابن مريم فكان لها هذا الشرف بالكمال مقام الدرجة التي شرف بها الرجال على النساء فنسب الابن إلى أبيه لأجلها وكمال مريم شهد لها بذلك رسول الله ص ولآسية امرأة فرعون فأما كمال آسية فلشرف المقام الذي ادعاه فرعون فلم يكن ينبغي لذلك المقام أن يكون العرش الذي يستوي عليه إلا موصوفا بالكمال فحصل لآسية الكمال بشرف المقام الذي شقي به فرعون ولحق بالخسران المبين وفازت امرأته بالسعادة ولشرف المقام الذي حصل لها به الكمال قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة فما أنطقها إلا قوة المقام بعندك ولم تطلب مجاورة موسى ولا حد من المخلوقين ولم يكن ينبغي لها ذلك فإن الحال يغلب عليها فإن الكامل لا يكون تحت الكامل فإن التحتية نزول درجة ولما كان كمال مريم بعيسى في نسبته إليها لم تقل ما قالت آسية آسية تقول نجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين حتى لا تنتهك حرمة النسبة ومريم تقول يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا وهي بريئة في نفس الأمر عند الله فما قالت ذلك من أجل الله كما قالت آسية عندك فقدمته وطلبت جواره والعصمة من أيدي عداته ولكن
(١١)