وأهبط إبليس عقوبة لا رجوعا إلى أصله فإنها ليست داره ولا خلق منها فسأل الله الإغواء أن يدوم له في ذرية آدم لما عاقبه الله بما يكرهه من إنزاله إلى الأرض وكان سبب ذلك في الأصل وجود آدم لأنه بوجوده وقع الأمر بالسجود وظهر ما ظهر من إبليس وكان من الأمر ما كان فعلمنا أن الله أرسله بالرحمة وجعله رحمة للعالمين فمن لم تنله رحمته فما ذلك من جهته وإنما ذلك من جهة القابل فهو كالنور الشمسي أفاض شعاعه على الأرض فمن استتر عنه في كن وظل جدار فهو الذي لم يقبل انتشار النور عليه وعدل عنه فلم يرجع إلى الشمس من ذلك منع وأخبر ص أنه بعث إلى كل أحمر وأسود فذكر من قامت به الألوان من الأجسام يشير إلى أنه مبعوث بعموم الرحمة لمن يقبلها وبعموم الشرع لمن يؤمن به وأمته ص جميع من بعث إليه ليشرع له فمنهم من آمن ومنهم من كفر والكل أمته والخصلة الرابعة أنه نصر بالرعب بين يديه مسيرة شهر والشهر قدر قطع القمر درجات الفلك المحيط فهو أسرع قاطع والحساب به للعرب وهو عربي فإذا نصر بين يديه بالرعب مسيرة شهر بسير القمر لأنه ما ذكر السائر وذكر الشهر ولا يعين الشهر عند أصحاب هذا اللسان إلا سير القمر فقد عم نصره بالرعب ما قطعه من المسافة هذا القمر في شهر فعم حكم كل درجة للفلك الأقصى لها أثر في عالم الكون والفساد بقطع القمر تلك المسافة فما قال ذلك إلا بطريق الثناء به عليه ولو كان ثم من يقطع الفلك في أقل من هذه المدة لجاء به فجاء بأسرع سائر يعم سيره قطع درجات الفلك المحيط فعموم رعبه في قلوب أعدائه عموم رحمته فلا يقبل الرعب إلا عدو مقصود يعلم أنه مقصود فما قابلة أحد في قتال إلا وفي قلبه رعب منه ولكنه يتجلد عليه بما أشقاه الله ليتميز السعيد من الشقي فيوهن ذلك الرعب من جلادة عدوه على قدر ما يريد الله فما نقص من جلادة ذلك العدو بما وجده من الرعب كان ذلك القدر نصرا من الله والخصلة الخامسة أحلت له الغنائم ولم تحل لأحد قبله فأعطى ما يوافق شهوة أمته والشهوة نار في باطن الإنسان تطلب مشتهاها ولا سيما في المغانم لأن النفوس لها التذاذ بها لكونها حصلت لهم عن قهر منهم وغلبة وتعمل فلا يريدون أن يفوتهم التنعم بها في مقابلة ما قاسوه من الشدة والتعب في تحصيلها فهي أعظم مشتهي لهم وقد كانت المغانم في حق غيره من الأنبياء إذا انصرف من قتال العدو جمع المغانم كلها فإذا لم يبق منها شئ نزلت نار من الجو فأحرقتها كلها فإن وقع فيها غلول لم تنزل تلك النار حتى يرد ويلقى فيها ذلك الذي أخذ منها فكان لهم نزول النار علامة على القبول الإلهي لفعلهم فأحلها الله لمحمد ص فقسمها في أصحابه فتناولتها نار شهواتهم عناية من الله بهم لكرامة هذا الرسول عليه فأكرمه بأمر لم يكرم به غيره من الرسل وأكرم من آمن به بما لم يكرم به مؤمنا قبله بغيره والخصلة السادسة أن طهر الله بسببه الأرض فجعلها كلها مسجدا له فحيث أدركته أو أمته الصلاة يصلي والمساجد بيوت الله وبيوت الله أكرم البيوت لإضافتها إلى الله فصير الأرض كلها بيت الله من حيث أن جعلها مسجدا وقد أخبرنا لمن يلازم المساجد من الفضل عند الله فأمته لا تبرح في مسجد أبدا لأنها لا تبرح من الأرض لا في الحياة ولا في الموت وإنما هو انتقال من ظهر إلى بطن وملازم المسجد جليس الله في بيته فهذه الأمة جلساء الله حياة وموتا لأنهم في مسجد وهو الأرض وكذلك جعل الله أيضا تربة هذه الأرض طهورا فكان لها حكم الماء في الطهارة إذا عدم الماء أو عدم الاقتدار على استعماله لسبب مانع من ذلك فأقام لهم تراب هذه الأرض والأرض طهورا فإذا فارق الأرض ما فارق منها ما عدا التراب فلا يتطهر به إلا أن يكون التراب فإنه ما كان منها يسمى أرضا ما دام فيها من معدن ورخام وزرنيخ وغير ذلك فما دام في الأرض كان أرضا حقيقة لأن الأرض تعم هذا كله فإذا فارق الأرض انفرد باسم خاص له وزال عنه اسم الأرض فزال حكم الطهارة منه إلا التراب خاصة فسواء فارق الأرض أو لم يفارقها فإنه طهور لأنه منه خلق المتطهر به وهو الإنسان فيطهر بذاته تشريفا له فأبقى الله النص عليه بالحكم به في الطهارة دون غيره ممن له اسم غير اسم الأرض فإذا فارق التراب الأرض زال عنه اسم الأرض وبقي عليه اسم التراب كما زال عن الزرنيخ اسم الأرض لما فارق الأرض وبقي عليه اسم الزرنيخ فلم تجز الطهارة به بعد المفارقة لأن الله ما خلق الإنسان من زرنيخ وإنما خلقه من تراب فقال رسول الله ص في الأرض إن الله جعلها له مسجدا وطهورا فعم ثم قال في الخبر الآخر وجعلت تربتها لنا طهورا
(١٤٤)