فالمال إلى الرحمة لأجل البسملة فهي بشرى وأما سورة التوبة على من يجعلها سورة على حدة منفصلة عن سورة الأنفال فسماها سورة التوبة وهو الرجعة الإلهية على العباد بالرحمة والعطف فإنه قال للمسرفين على أنفسهم ولم يخص مسرفا من مسرف يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا فلو قال إن الرحمن لم يعذب أحدا من المسرفين فلما جاء بالاسم الله قد تكون المغفرة قبل الأخذ وقد تكون بعد الأخذ ولذلك ختم الآية بقوله إنه هو الغفور الرحيم فجاء بالرحيم آخرا أي مالهم وإن أوحذوا إلى الرحمة وإن الرجعة الإلهية لا تكون إلا بالرحمة لا يرجع على عباده بغيرها فإن كانت الرجعة في الدنيا ردهم بها إليه وهو قوله ثم تاب عليهم ليتوبوا وإن كانت في الآخرة فتكون رجعتهم مقدمة على رجعته لأن الموطن يقتضي ذلك فإن كل من حضر من الخلق في ذلك المشهد سقط في يديه ورجع بالضرورة إلى ربه فيرجع الله إليهم وعليهم فمنهم من يرجع الله عليه بالرحمة في القيامة ومنازلها ومنهم من يرجع عليه بالرحمة بعد دخول النار وذلك بحسب ما تعطيه الأحوال ويقع به الشهود والأمر في ذلك كله حسي ومعنوي فإن العالم كله حرف جاء لمعنى معناه الله ليظهر فيه أحكامه إذ لا يكون في نفسه محلا لظهور أحكامه فلا يزال المعنى مرتبطا بالحرف فلا يزال الله مع العالم قال تعالى وهو معكم أينما كنتم فالداخل إلى هذا المنزل في أول قدم يضعه فيه يحصل له من الله تسعة وتسعون تجليا مائة إلا واحدا تتقدم إليه منها تسعة يرى فيها صورته فيعلم حقيقته ثم بعد ذلك يقام في التسعين فيرى ما لم يكن يعلم من حضرة جمع ومنعة وعلو عن المقاوم فينزل الحق إليه معلما له علما من لدنه وقد تقدمت الرحمة له عند دخوله وهذا منزل خضر صاحب موسى ع واعلم أن أهلية الشئ لأمر ما أنما هو نعت ذاتي فلا يقع فيها مشاركة لغيره إلا بنسبة بعيدة إذا حققتها لم تثبت وزلت قدمك فيها كما قال ص في الصحيح أما أهل النار الذين هم أهلها وهم الذين لا يخرجون منها رأسا لأنهم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون فجعل نعتهم نفي الحياة والموت ثم استدرك نعت من دخلها وما هو بأهلها فقال ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم فأماتهم الله فيها إماتة فنعتهم بالموت وهو خلاف نعت من هو لها أهل ثم ذكر خروج هؤلاء من النار فتنبه لكون الحق أنطق العالم كله بالتسبيح بحمده والتسبيح تنزيه ما هو ثناء بأمر ثبوتي لأنه لا يثنى عليه إلا بما هو أهل له وما هو له لا يقع فيه المشاركة وما أثنى عليه إلا بأسمائه وما من اسم له سبحانه عندنا معلوم إلا وللعبد التخلق به والاتصاف به على قدر ما ينبغي له فلما لم يتمكن في العالم أن يثنى عليه بما هو أهله جعل الثناء عليه تسبيحا من كل شئ ولهذا أضاف الحمد إليه فقال يسبح بحمده أي بالثناء الذي يستحقه وهو أهله وليس إلا التسبيح فإنه سبحانه يقول سبحان ربك رب العزة عما يصفون والعزة المنع من الوصول إليه بشئ من الثناء عليه الذي لا يكون الإله عما يصفون وكل مثن واصف فذكر سبحانه تسبيحه في كل حال ومن كل عين فقال تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وما ثم إلا هؤلاء وقال آمرا لمحمد عند انقضاء رسالته وما شرع له أن يشرع من الثناء عليه فسبح بحمد ربك واستغفره فقال أنت كما أثنيت على نفسك هذا هو التسبيح بحمده فلما كان الأمر بالثناء على الله على ما قررناه لم يتمكن لنا أن نستنبط له ثناء وإنما نذكره بما ذكر عن نفسه فيما أنزله في كتبه على حد ما يعلمه هو لا على حد ما نفهمه نحن فنكون في الثناء عليه حاكين تالين لأن الثناء على المثنى عليه مجهول الذات لا يقبل الحدود والرسوم ولا يدخل تحت الكيفية ولا يعرف كما هو عليه في نفسه وهو الغني عن العالمين فلا تدل على المعرفة به الدلالات وإنما تدل على استنادنا إليه من حيث لا يشبهنا أو لا يقبل وصفنا وما من اسم إلهي إلا ونتصف به فما تلك هي المعرفة المقصودة التي يعلم بها نفسه فشرع التسبيح وفطر عليه كل شئ وهو نفي عن كل وصف لا إثبات ولهذا بعض أهل النظر تنهوا إلى شئ من هذا وإن كان العلماء لم يرتضوا ما ذهبوا إليه ولكن هو حق في نفس الأمر من وجه ما مليح وذلك أنهم رأوا أن المشاركة بين المحدث والله لا تصح حتى في إطلاق الألفاظ عليه فإذا قيل لهم الله موجود يقولون ليس بمعدوم فإن المحدث موصوف بالوجود ولا مشاركة فإذا قيل لهم الله حي يقولون ليس بميت الله عالم يقولون ليس بجاهل الله قادر يقولون ليس بعاجز الله مريد يقولون ليس بقاصر فأتوا بلفظة النفي والتسبيح تنزيه ونفي لا إثبات فجروا على الأصل الذي نطق الله به كل شئ فسلكوا مسلكا غريبا بين النظار
(١٤٨)