كواكب السماء زينة خاصة لم يحصل له منها غير ما رأى ويراها العلماء بمنازلها وسيرها وسياحتها في أفلاكها موضوعة للاهتداء بها فاتخذوها علامات على ما يبتغونه في سيرهم على الطرق الموصلة إلى ما دعاهم الحق إليه من العلم به أو إلى السعادة التي هي الفوز خاصة واعلم أن الله لما جعل منزل محمد ص السيادة فكان سيدا ومن سواه سوقة علمنا أنه لا يقاوم فإن السوقة لا تقاوم ملوكها فله منزل خاص وللسوقة منزل ولما أعطى هذه المنزلة وآدم بين الماء والطين علمنا أنه الممد لكل إنسان كامل منعوت بناموس إلهي أو حكمي وأول ما ظهر من ذلك في آدم حيث جعله الله خليفة عن محمد ص فأمده بالأسماء كلها من مقام جوامع الكلم التي لمحمد ص فظهر بعلم الأسماء كلها على من اعترض على الله في وجوده ورجح نفسه عليه ثم توالت الخلائف في الأرض إلى أن وصل زمان وجود صورة جسمه لإظهار حكم منزلته باجتماع نشأتيه فلما برز كان كالشمس اندرج في نوره كل نور فاقرة من شرائعه التي وجه بها نوابه ما أقر ونسخ منها ما نسخ وطهرت عنايته بأمته لحضوره وظهوره فيها وإن كان العالم الإنساني والناري كله أمته ولكن لهؤلاء خصوص وصف فجعلهم خير أمة أخرجت للناس هذا الفضل أعطاه ظهوره بنشأتيه فكان من فضل هذه الأمة على الأمم إن أنزلها منزلة خلفائه في العالم قبل ظهوره إذ كان أعطاهم التشريع فأعطى هذه الأمة الاجتهاد في نصب الأحكام وأمرهم أن يحكموا بما أداهم إليه اجتهادهم فأعطاهم التشريع فلحقوا بمقامات الأنبياء ع في ذلك وجعلهم ورثة لهم لتقدمهم عليهم فإن المتأخر يرث المتقدم بالضرورة فيدعون إلى الله على بصيرة كما دعا الرسل محمد ص فأخبر بعصمتهم فيما يدعون إليه فمنهم المخطئ حكم غيره من المجتهدين ما هو مخطئ عن الحق فإن الذي جاء به حق فإن أخطأ حكما قد تقدم الحكم به لمحمد ص وما وصل إليه فذلك الذي جعل له أجرا واحدا وهو أجر الاجتهاد وإن أصاب الحكم المتقدم باجتهاده فله أجران أجر الاجتهاد وأجر الإصابة وإن كان المصيب مجهول العين في المجتهدين عند نفسه وعند غيره فليس بمجهول عند الله وكل من دخل في زمان هذه الأمة بعد ظهور محمد ص من الأنبياء والخلفاء الأول فإنهم لا يحكمون في العالم إلا بما شرع محمد ص في هذه الأمة وتميز في المجتهدين وصار في حزبهم مع إبقاء منزلة الخلافة الأولى عليه فله حكمان يظهر بذلك في القيامة ما له ظهور بذلك هنا ومنزل محمد ص يوم الزور الأعظم على يمين الرحمن من حيث الصورة التي يتجلى فيها على عرشه ومنزله يوم القيامة ليس على يمين الرحمن لكن بين يدي الحكم العدل لتنفيذ الأوامر الإلهية والأحكام في العالم فالكل عنه يأخذ في ذلك الموطن وهو وجه كله يرى من جميع جهاته وله من كل جانب إعلام عن الله تعالى يفهم عنه يرونه لسانا ويسمعونه صوتا وحرفا ومنزلته في الجنان الوسيلة التي تتفرع جميع الجنات منها وهي في جنة عدن دار المقامة ولها شعبة في كل جنة من تلك الجنات من تلك الشعبة يظهر ص لأهل تلك الجنة وهي في كل جنة أعظم منزلة فيها وهذه منازل كلها حسية لا معنوية وليست المعنوية إلا منزلته في نفس موجدة وهو الله تعالى وما هذا خاص به بل كل منزلة لا تكون إلا في نفس الله الذي هو الرحمن والمنازل محسوسة محصورة التي هي جمع منزل لا جمع منزلة فاعلم ذلك فإنه من لباب المعرفة بالله تعالى وتقدس في ذاته وأما منزلته في العلوم فالإحاطة بعلم كل عالم بالله من العلماء به تعالى متقدميهم ومتأخريهم وكل منزل له ولأتباعه مطيب بالطيب الإلهي الذي لم يدخل فيه ولا استعملت أيدي الأكوان فيه واعلم أنه من كماله ص أنه خص بستة لم تكن لنبي قبله والستة أكمل الأعداد وليس في الأشكال شكل فيه زوايا إذا انضمت إليها الأمثال لم يكن بينها خلو إلا الستة وبها أوحى الله إلى النحل في قوله أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون وأوحى إليها صفة عملها فعملتها مسدسة فأخبر أنه أعطى مفاتيح الخزائن وهي خزائن أجناس العالم ليخرج إليهم بقدر ما يطلبونه بذواتهم إذا علمنا أنه السيد ومن اعتبر تعيين الخزائن بالأرض فليس في الأرض إلا خزائن المعادن والنبات لا غير فإن الحيوان من حيث نموه نبات قال تعالى والله أنبتكم من الأرض نباتا فأخبرنا إنا من جملة نبات الأرض وما أعطيها ص حتى كان فيه الوصف الذي يستحقها به ولهذا طلبها يوسف ع من الملك صاحب مصر أن يجعله على خزائن الأرض لأنه حفيظ عليم ليفتقر الكل إليه فتصح سيادته عليهم ولهذا أخبر بالصفة التي يستحق من
(١٤٢)