ألا لله ما الأكوان فيه * من أحكام التناقض في الوجود فمنهم طائع عاص عليم * جهول بالنزول وبالصعود ومنهم من تحقق في غيوب * ومنهم من تحقق في الشهود فتظهر كثرة والعين منها * وحيد بالدلائل والعقود فسبحان المراد بكل نعت * من أوصاف الألوهة والعبيد وسبحان المحيط بكل شئ * ويوصف في المعارف بالمزيد قال رسول الله ص أنا سيد الناس يوم القيامة وعلل ذلك بكماله وقال لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني لعموم رسالته وشمول شريعته فخص ص بأشياء لم تعط لنبي قبله وما خص نبي بشئ إلا وكان لمحمد ص فإنه أوتي جوامع الكلم وقال كنت نبيا وآدم بين الطين والماء وغيره من الأنبياء لم يكن نبيا إلا في حال نبوته وزمان رسالته فلنذكر في هذا الباب منزله ومنزلته فالمنزل يظهر في بساط الحق ومقعد الصدق عند التجلي والرؤية يوم الزور العام الأعظم فيعلم منزله بالبصر والشهود وأما منزلته فهي منزلة في نفس الحق ومرتبة منه ولا يعلم ذلك إلا بإعلام الله وله المقام المحمود وهو فتح باب الشفاعة للملائكة فمن دونهم وله الأولية في الشفاعة وله الوسيلة وليس في المنازل أعلى منها ينالها محمد ص بسؤال أمته جزاء لما نالوه من السعادة به حيث أبان لهم طريقها فاتبعوه واعلم أن هذا المنزل من يدخله يرى فيه عجائب لا يراها في غيره فمن ذلك أنه يرى أعمال الأشقياء مجسدة وأعمال السعداء كذلك مجسدة صورا قائمة تعقل وجود خالقها وقد جعل الله في نفوس هذه الصور طلبا على الأسباب التي وجدت عنها وهم العاملون ويجدون في طلبهم فأما أعمال السعداء فيرون على أيمانهم طريقا يسلكونها فتأخذ بهم تلك الطريق إلى مشاهدة أصحابهم وهم السعداء فيميز بعضهم بعضا ويتساءلون ويتخذونهم العاملون مراكب فوز ونجاة تحملهم إلى مستقر الرحمة وأما أعمال الأشقياء فتقوم لهم طرق متعددة متشعبة متداخلة بعضها في بعض لا يعرفون أي طريق تمشى بهم إلى أصحابهم فيحارون ولا يهتدون وهذا من رحمة الله بالأشقياء فإذا حارت أعمالهم رجعت إلى الله بالعبادة والذكر ويتفرقون في تلك الطرق فمنهم من لا يهتدي إلى صاحبه أبد الآبدين ومنهم من يصل إلى صاحبه فيشاهده ويتعرف إليه فيعرفه ويكون وجوده إياه مصادفة فيتعلق به ويقول له احملني فقد أتعبتني في طلبك فيجبر العامل على حمله إلى أن تناله الرحمة رحمة الله وإلى جانب موقف هذه الصور طريقان واضحان طريق يكون غايته الحق الوجود وطريق لا غاية له فإنه يخرج السالك إلى العدم فلا يقف عند غايته فيه إذ العدم لا ينضبط بحد فيتقيد به بخلاف الحق الوجود فإنه يتقيد وإن كان مطلقا فإطلاقه تقييد في نفس الأمر فإنه متميز بإطلاقه عن الوجود المقيد فهو مقيد في عين إطلاقه وطريق ثالث بين هذين الطريقين برزخي لا تتصف غايته بالوجود ولا بالعدم مثل الأحوال في علم المتكلمين فأما الطريق التي يكون غايتها الوجود الحق فيسلك عليها الموحدون والمؤمنون والمشركون والكافرون وجميع أصحاب العقائد الوجودية وأما الطريق الأخرى فلا يسلك عليها إلا المعطلة فلا ينتهي بهم إلى غاية وأما الطريق البرزخي فلا يسلك فيه إلا العلماء بالله خاصة الذين أثبتهم الحق ومحاهم في عين إثباتهم وأبقاهم في حال فنائهم فهم الذين لا يموتون ولا يحيون إلى أن يقضي الله بين العباد فيأخذون ذات اليمين إلى طريق الوجود الحق وقد اكتسبوا من حقيقة تلك الطريق صفة واكتسبوا منها هيأة تظهر عليهم في منزل الوجود الحق يعرفون بها بعضهم بعضا ولا يعرفهم بها أحد من أهل الطريقين وهذا ضرب مثل ضربه الله لأهل الله ليقفوا منه على مراتب الهدى والحيرة والمهتدين والضالين وجعل الله لهم نورا بل أنوارا يهتدون بها في ظلمات بر طبيعتهم وفي ظلمات بحر أفكارهم وفي ظلمات نفوسهم الناطقة برها وبحرها بما هي عليه في نشأتها إذ كانت متولدة بين النور الخالص والطبيعة المحضة العنصرية الصرفية وتلك الأنوار المجعولة فيهم من الأسماء الإلهية فمن كان عارفا بها وناظرا بها من حيث ما وجدت له وصل بها إلى العلم بالأمور والكشف ومن أخذها أنوارا لا يعلم أنها بالوضع للاهتداء وجعلها زينة كما تراها العامة في
(١٤١)