قامت به هذا المقام فقال إني حفيظ عليم حفيظ عليها فلا نخرج منها إلا بقدر معلوم كما إن الله سبحانه يقول وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم فإذا كانت هذه الصفة فيمن كانت ملك مقاليدها ثم قال بعد قوله حفيظ عليم أخبر أنه عالم بحاجة المحتاجين لما في هذه الخزائن التي خزن فيها ما به قوامهم عليم بقدر الحاجة فلما أعطى ص مفاتيح خزائن الأرض علمنا أنه حفيظ عليم فكل ما ظهر من رزق في العالم فإن الاسم الإلهي لا يعطيه إلا عن أمر محمد ص الذي بيده المفاتيح كما اختص الحق تعالى بمفاتيح الغيب فلا يعلمها إلا هو وأعطى هذا السيد منزلة الاختصاص بإعطائه مفاتيح الخزائن والخصلة الثانية أوتي جوامع الكلم والكلم جمع كلمة وكلمات الله لا تنفد فأعطى علم ما لا يتناهى فعلم ما يتناهى بما حصره الوجود وعلم ما لم يدخل في الوجود وهو غير متناه فأحاط علما بحقائق المعلومات وهي صفة إلهية لم تكن لغيره فالكلمة منه كلمات كالأمر الإلهي الذي هو كلمة واحدة كلمح بالبصر وليس في التشبيه الحسي أعظم ولا أحق تشبيها به من اللمح بالبصر ولما علم بجوامع الكلم أعطى الإعجاز بالقرآن الذي هو كلمة الله وهو المترجم به عن الله فوقع الإعجاز في الترجمة التي هي له فإن المعاني المجردة عن المواد لا يتصور الإعجاز بها وإنما الإعجاز ربط هذه المعاني بصور الكلم القائم من نظم الحروف فهو لسان الحق وسمعه وبصره وهو أعلى المراتب الإلهية وينزل عنها من كان الحق سمعه وبصره ولسانه فيكون مترجما عن عبده كما ترجم تعالى لنا في القرآن أحوال من قبلنا وما قالوه فما فيه ذلك الشرف فإنه يترجم عن أهله والمقربين لديه كالملائكة فيما قالوه ويترجم عن إبليس مع إبلاسه وشيطنته وبعده بما قاله ولا يترجم عن الله إلا من له الاختصاص الذي لا اختصاص فوقه والخصلة الثالثة بعثته إلى الناس كافة من الكفت وهو الضم ألم نجعل الأرض كفاتا أي تضم الأحياء على ظهرها والأموات في بطنها كذلك ضمت شريعته جميع الناس فلا يسمع به أحد إلا لزمه الايمان به ولما سمع الجن القرآن يتلى قالوا لقومهم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين فأخبر بقوله فليس بمعجز في الأرض عن الجن وقول الله من وليس له إلى مبين فضمت شريعته الجن والإنس فعم بشريعته الإنس والجن وعمت العالم رحمته التي أرسل بها فقال وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين فأخبر الله أنه أرسله ليرحم العالم وما خص عالما من عالم فإذا أتى بكل ما يرضي العالم صنفا صنفا ما عدا بعض من هو مخاطب بحكم شرعه فقد رحمه وقام بالرحمة التي أرسل بها بل نقول إنه جاء بحكم الله وحكم الله يرضى به كل صنف من العالم بلا شك فإن كل العالم مسبح بحمده فهو راض بحكمه من جهة ما جاء به هذا الرسول العام الدعوة العام بنشر الرحمة على العالم غير أن من الناس من لم يرض بالمحكوم به وإن كان راضيا بالحكم فقد نال من رحمة الله التي أرسل بها على قدر ما رضي به من الحكم المعين الذي جاء به وليس هذا الواقع إلا في الناس خاصة وإنما الجن شياطينهم وغير شياطينهم فإن الله جعل لهم الإغواء وأمرهم من خلف حجاب البعد بالاستفزاز والمشاركة في الأموال والأولاد ابتلاء لهم وامتحانا فيقول الشيطان للإنسان أكفر فإذا كفر يقول الشيطان إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين هذا إخبار الله عنه ثم قال فكان عاقبتهما أي جاءهما عقيب هذا الواقع إنهما في النار فأعقب الشيطان برجوعه إلى أصله فإنه مخلوق من النار فرجع إلى موطنه وكان للإنسان عقوبة على كفره حيث ظلم بقبول ما جاءه به الشيطان ولم يقبل ما جاءه به الرسول ثم قال خالدين فيها فخلد الشيطان في منزله وداره وخلد الإنسان جزاء لكفره ولهذا تبرأ منه للافتراق الذي بينهما في العاقبة وقوله وذلك فأشار رينية الواحد ولم يثن الإشارة إلى العقاب فإنهما ما اشتركا فيه لأن الذي أتى للإنسان عقيب ذنبه إنما هو العذاب والذي كان سهم الشيطان الذي أتاه عقيب فعله وقوله رجوعه إلى أصله الذي منه خلق فلا يغتر العاقل ألا ترى في قصة آدم في الجنة لما وقع منه ما وقع من قرب الشجرة وأعقبه الله الهبوط إلى الأرض من الجنة وأهبط حواء وأهبط إبليس ولهذا قال اهبطوا فجمع ولم يثن ولا أفرد فنزل آدم إلى أصله الذي خلق منه فإنه مخلوق من التراب فأهبطه الله للخلافة لقوله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة فما أهبط عقوبة لما وقع منه وإنما جاء الهبوط عقيب ما وقع منه وأهبط حواء للتناسل
(١٤٣)