هذا القول إن جوزي بقوله فإنه لا يرى الله أبدا كما لا يعلمه أبدا وإن لم يجازه الله بقوله وبدا له من الله ما لم يكن يحتسب وعلم منه في ثاني حال خلاف ما كان يعلمه فإنه يراه ويعلم أنه هو والصحيح أنه يعلم ويرى فإن الله تعالى خلق المعرفة المحدثة به لكمال مرتبة العرفان ومرتبة الوجود ولا يكمل ذلك إلا بتعلق العلم المحدث بالله على صورة ما تعلق به العلم القديم وما تعلق القديم بالعجز عن العلم به كذلك العلم المحدث به ما تعلق إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه والذي هو عليه في نفسه إنه عين كل صورة فهو كل صورة فما وقع العجز من هذا العبد إلا في كونه قصره على صورة واحدة وهي صورة معتقده وهو عين صورة معتقده فما عجز إلا عن الحكم عليه بما ينبغي له ولا يتصف بالعجز عن العلم به إلا من أخذ العلم من دليل عقله وأما من أخذ العلم به من الله لا من دليله ونظره فهذا لا يعجز عن حصول العلم بالله فإنه ما حاول أمرا يعجز عنه فيعترف بالعجز عنه وليس هذا الذي يطلبه بنظره في دليل عقله وعلمه من طريق التعريف والتجلي الذي هو علم موهوب من حكيم حميد فالقائل سبحان من لا يعرف إلا بالعجز عن المعرفة به صاحب علم نظر لا صاحب تعريف إلهي وأما العجز عن إحصاء الثناء عليه فهذا قول كامل محقق فإنه لا يكون العجز عن إحصاء الثناء عليه إلا بعد العلم بالمثنى عليه ما هو فيعلم أنه أعظم من أن يحيط به ثناء ويبلغ فيه وصف منتهاه كما قيل في بعض المخلوقات إذا نحن أثنينا عليك بصالح * فأنت الذي نثني وفوق الذي نثني هذا قول في مخلوق وهو قول محقق فكيف الثناء على الله سبحانه وإنما حققنا قول هذا الشاعر في هذا المخلوق مع ما يتخيل العقل بنظره إن الإحاطة بالثناء على المخلوق ممكنة وليس الأمر في نفسه كذلك وإنما هذا الشاعر قال حقا إما مصادفة إما عن تحقق له وذلك في قوله فأنت الذي نثني وهو ما هو عليه ذلك الممدوح في الوقت وفوق الذي نثني فإنه محل قابل لما يخلق الله فيه من النعوت التي يخلق فيه فيثني عليه بها وهذا النعوت فيه لا نهاية لها أي لما يكون عنها مما يوجب الثناء بها على الممدوح وإذا كان هذا الثناء على الحق تعالى فلها البقاء في الوجود لذاتها لا تقبل العدم والثناء منا عليه دائم بتجدد لأنه في كل نفس فينا يتجدد علينا علم بالله فنثني عليه به أو علم بأمر ما لم يكن عندنا فنثني عليه به ونحن ما ننشد هذا البيت كما قاله صاحبه وإنما ننشده على ما قلناه وأعطانا ذلك العلم به فنقول إذا نحن أثنينا عليك بصالح * فأنت الذي تثني ولسنا الذي نثني وهذا فوق ما قاله الشاعر من وجه ومساو له من وجه سواء قال ذلك عن علم محقق أو مصادفة وهو لا يعلم فنطقه الله تعالى بالحق من حيث لا يشعر كما أنه يستدرج العبد من حيث لا يعلم ويمكر به من حيث لا يشعر والحق معلوم معروف في نفسه والعالم به عاجز عن إحصاء الثناء عليه كما ينبغي له فإنه ليس في الوسع حصول ذلك ولا يعطيه استعداد ممكن أصلا فهذا ما أعطاه مؤاخاة الاستعدادات والأسماء الإلهية وهذه أعلى أخوة يوصل إليها ثم ينزل إلى أخوة دونها وهي قوله إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ومن أسمائه المؤمن وقد وقع النزاع بينهم بما أخبر به عن نفسه أنه كذا فنازعه المؤمن من المخلوقين الذي اجتمع معه في الايمان فكانت له إخوة معه بهذا الايمان بنظره في دليله العقلي أنه على خلاف ما أخبر به عن نفسه مع كونه مصدقا له لكنه تأول عليه فلما ظهرت هذه المنازعة بين المؤمن الحق والمؤمن الخلق قال الله لعلماء الكشف أصلحوا بين أخويكم فدخل المؤمنون العالمون المكاشفون بينهما بالصلح وذلك أن يكون المؤمن الحق مع هذا المؤمن أخيه حتى يبلغه قوته لأنه مخلوق على كل حال وما أعطيته الكشف الكامل ولا ظهرت إليه به فليكن معه بحيث يعطيه منزلته فيقول المؤمن الحق للمبلغ عنه قل لهذا المنازع إني أنا الله ليس كمثله شئ ولا تدركه الأبصار وإني منزه عن وصف الواصفين فجاء الرسول بالتوقيع الإلهي إلى هذا المؤمن المنازع بقوله ليس كمثله شئ وبقوله سبحان ربك رب العزة عما يصفون وأشباه هذا النوع من التنزيه الذي يعطيه دليل العقل النظري فإذا سمع هذا منه طاب قلبه وجنح إليه وزال نزاعه وجاء العلماء إلى المؤمن الخلق في المصالحة من هذا الجانب وقالوا له أنت تعلم أن المؤمن الحق اعلم بنفسه منك به لا بل اعلم بك من علمك بنفسك وإنك إنما تحكم عليه بما هو خلق له مثلك وهو عقلك وفكرك ودليلك فلا فرق بينك وبين كل مخلوق في العجز عما لا يعجز عنه المؤمن الحق فقف معه في موضع التسليم فإنه وإن كان مؤمنا وأنت مؤمن فأنت على مرتبتك التي تليق بك وهو على مرتبته التي تليق به وأنت تعلم أنك لست مثله وإن جمعكما الايمان فليس نسبته إليه مثل
(١٣٣)