واتبع سبيل من أناب إلي فأمر باتباع المنيبين إلى الله ومخالفة نفوسهم إن أبت ذلك فحق الإمام أحق بالاتباع قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم وهم الأقطاب والخلفاء والولاة وما بقي لهم حكم إلا في صنف ما أبيح لك التصرف فيه فإن الواجب والمحظور من طاعة الله وطاعة رسوله فما بقي للأئمة إلا المباح ولا أجر فيه ولا وزر فإذا أمرك الإمام المقدم عليك الذي بايعته على السمع والطاعة بأمر من المباحات وجبت عليك طاعته في ذلك وحرمت مخالفته وصار حكم ذلك الذي كان مباحا واجبا فيحصل للإنسان إذا عمل بأمره أجر الواجب وارتفع حكم الإباحة منه بأمر هذا الذي بايعه فتدبر ما ذكرناه وما نبهنا عليه من أمر الإمام بالمباح واعرف منزلة البيعة وما أثمرت وما أثرت وكيف نسخت حكم الإباحة بالوجوب عن أمر الحق بذلك فنزل الإمام منزلة الشارع بأمر الشارع فتغير الحكم في المحكوم عليه عما كان عليه في الشرع قبل أمر هذا الإمام فمن أنزله الحق منزلته في الحكم تعين اتباعه واعلم أن النبات عالم وسط بين المعدن والحيوان فله حكم البرازخ فله وجهان فيعطي من العلم بذاته لمن كوشف بحقيقة ما فيه من الوجوه فإن الكمال في البرازخ أظهر منه في غير البرازخ لأنه يعطيك العلم بذاته وبغيره وغير البرزخ يعطيك العلم بذاته لا غير لأن البرزخ مرآة للطرفين فمن أبصره أبصر فيه الطرفين لا بد من ذلك وفي النبات سر برزخي لا يكون في غيره فإنه برزخ بينه من قوله نباتا وبين ربه من قوله أنبتكم والمنصف العادل من حكم بين نفسه وربه ولا يكون حكما حتى تكون نفسه تنازع ربها فيحكم له عليها العامة أن الحق بيد الله بكل وجه وعلى كل حال وسبب نزاعها كونها على الصورة ففيها مضادة الأمثال لا مضادة الأضداد فيدخل الإنسان حكما بين ربه وبين نفسه ألا تراه مأمورا بأن ينهاها عن هواها فأنزلها منزلة الأجنبي وليس إلا عينها وهي التي ادعت فهي الحكم والخصم ولو اقتصر الأمر دونها على الجسم النامي منه وغير النامي لم تكن منازعة فإنه مفطور على التسبيح لله بحمده فالجسم الإنساني كالنجم من النبات لا يقول على ساق فلا يرجع شجرة إلا بوجود الروح المنفوخ فيه فحينئذ يقوم على ساق بخلاف الأشجار كلها فإنها تقوم على ساق من غير نفخ الروح الحيواني فيها فهو نجم بالأصالة وشجرة بالنفخ فسجوده لله سجود الظلال وسجود الشجر لله سجود الأشخاص القائمين على ساق ولما كان النبات برزخيا كان مرآة قابلا لصور ما هو لها برزخ وهما الحيوان والمعدن إذا بايع بايع لبيعته ما ظهر فيه من صور ما هو برزخ لهما تابعا له فتضمنت بيعة النبات بيعة الحيوان والمعادن لأن هذا الإمام يشاهد الصور الظاهرة في مرآة البرازخ وهو علم عجيب كما يرى الناظر في المرآة في الحس غير صورته مما تقبله المرآة من صور غير الناظر من الأشخاص فيدرك فيها ما هي تلك الأشخاص عليه في أنفسها مع كونها في أعيانها غيبا عنه وما رأى لها صورة إلا في هذا الجسم الصقيل فإن أعطته تلك الصورة علما غير النظر إليها كان ذلك العطاء بمنزلة ما يعطي المبايع في البيعة من السمع والطاعة لمن بايعه وإن لم تعط علما لم يرجع ذلك إليها وإنما هو رجع إلى الناظر وإنه ليس بإمام ولا خليفة ولا له بيعة أصلا وبهذا يتميز الإمام في نفسه عن غيره ويعلم أنه إمام فإن أخذ العلم هذا الناظر من تلك الصورة بحكم التفكر والاعتبار فيخيل أنه إمام وقته فليس كذلك إلا أن تعطيه الصور العلم من ذاتها كشفا من غير فكر ولا اعتبار وإن اتفق أن يساويه صاحب الفكر في ذلك العلم الكشفي فليس بإمام لاختلاف الطريق فإن الإمام لا يقتني العلوم من فكره بل لو رجع إلى نظره لأخطأ فإن نفسه ما اعتادت إلا الأخذ عن الله وما أراد الله لعنايته بهذا العبد أن يرزقه الأخذ من طريق فكره فيحجبه ذلك عن ربه فإنه في كل حال يريد الحق أن يأخذ عنه ما هو فيه من الشؤون في كل نفس فلا فراع له ولا نظر لغيره وللعاقل إذا استبصر دليل قد وقع يدل على صحة ما ذكرناه نهى النبي ص عن إبار النخل ففسد لأنه لم يكن عن وحي إلهي ونزوله يوم بدر على غير ماء فرجع إلى كلام أصحابه فإنه ص ما تعود أن يأخذ العلوم إلا من الله لا نظر له إلى نفسه في ذلك وهو الشخص الأكمل الذي لا أكمل منه فما ظنك بمن هو دونه وما بقي للعارفين بالله علاقة بين الفكر وبينهم بطريق الاستفادة ولا يسمى الشخص إلهيا إلا أن لا يكون أخذه العلوم إلا عن الله من فتوح المكاشفة بالحق يقول أبو يزيد البسطامي أخذتم
(١٣٩)