نسبته إليك فإنك لست مثله فلا تغرنك هذه المماثلة واعرف قدرك فإذا سمع مثل هذا طلب الصلح والإقالة مما وقع منه من النزاع وامتن المؤمن الحق عليه بما وقع له في المنشور من التنزيه الذي وقع النزاع من أجله فأصلح المؤمنون العالمون بين المؤمن الحق وبين هذا المؤمن الخلق فهكذا فليكن الفهم عن الله فيما أوحى به إلى عباده على ألسنة رسله وأنزله في كتبه ثم في أخوة الايمان درجة أخرى من درجات الكشف وهي قوله بعد أن تسمى لنا بالمؤمن وإنما المؤمنون إخوة لأبوة الايمان قال المؤمن مرآة أخيه وما ينطق عن الهوى هذا القائل فأثبت الأخوة بين المؤمنين وجعل كل واحد من المؤمنين مرآة لأخيه فيراه ويرى فيه نفسه من كونه على أي صورة كان كل مؤمن منهما بهذه المثابة فيكون المؤمن الحق مرآة للمؤمن الخلق فيراه ويعلم أنه يراه كما يعلم صاحب المرآة أن له مرآة ثم ينظر فيها فلا يرى إلا صورته وصورة ما أثرت المرآة فيه ولهذا جعل له عينين ليرى بالعين الواحدة صورته وبالعين الأخرى ما حكمت به المرآة في صورته إذ لم يكن في نفسه على ما حكمت به المرآة عليه في الصورة المحسوسة من الكبر والصغر والطول والعرض والاستقامة والانتكاس على حسب شكل المرآة ولا يرى هذا الأثر كله هذا الناظر إلا في صورته فيعلم إن له فيه حكما ذاتيا لا يمكن أن يرى نفسه في هذه المرآة إلا بحسب ذلك فإذا كان المؤمن الخلق هو عين المرآة للمؤمن الحق فيراه الحق وهو في نفسه على استعداد خاص فلا يبدو من الحق له إلا على قدر استعداده فلا يرى الحق من نفسه في هذه المرآة الخاصة إلا قدر ذلك فآثرت هذه المرآة في إدراك الرائي القصور على ما رأى بحكم الاستعداد فأشبهه من هذا الوجه فعبر عن هذا المقام بالإخوة إذ لولا المناسبة بين الأمرين لم يكن كل واحد من الأمرين مرآة لأخيه وما نصب الله هذا المثال وخلق لنا هذه المرائي إلا ليعطينا النظر فيها إصلاح ما وقع في صورتنا من خلل وما يتعلق بها من أذى لتزيله على بصيرة فهي تجل لإزالة العيوب فيدلك هذا أن الرائي في المرآة يحصل له علم لم يكن يراه قبل ذلك ففي المؤمن المخلوق يقرب ذلك ويصح وفي المؤمن الحق يعسر مثل هذا فهو قوله تعالى في المؤمن الحق ولنبلونكم حتى نعلم كذلك إذا رأى الحق نفسه في مرآة المؤمن المخلوق رأى أنه بحكم استعدادها لا يرى غير ذلك فيها فيزيل عنه هذا الحكم بنظره في مراء متعددة فيختلف الحكم في الصورة الواحدة باختلاف الاستعدادات وهو عينه لا غيره فيعلم عند ذلك أن حكم الاستعداد أعطى ما أعطى وأنه على ما هو عليه في نفسه فزال ما تعلق به من أذى التقيد كما أزال الابتلاء أذى التردد وطلب إقامة الحجة ليكون هو الغالب فقال حتى نعلم فجعل الابتلاء سبب حصول هذا العلم وما هو سبب حصول العلم وإنما هو سبب إقامة الحجة حتى لا يكون للمحجوج حجة يدفع بها وأما مماثلة الصورة في الخلق فهي للنيابة والخلافة ما هي للاخوة فإنه من حيث صورة العالم من العالم كما هو الروح من الجسد من صورة الإنسان وهو من حيث صورة الحق ما يظهر به في العالم من أحكام الأسماء الإلهية التي لها التعلق بالعالم فليست الصورة بإخوة كما يراه بعضهم ولهذا لم نذكر الأخوة إلا في أمر خاص وهو المؤمن إلا إن الصورة تشد آزر إخوة الايمان بالسببية فإن الأسباب لولا ما لها أثر في المسبب ما أوجدها الله ولو لم يكن حكمها في المسببات ذاتيا لم تكن أسبابا ولم يصدق كونها أسبابا ويعلم ذلك فيمن لا يقبل الوجود إلا في محل وما ثم محل ويريد الموجد إيجاده فلا بد أن يوجد المحل لوجود هذا المراد وجوده فيكون وجود المحل سببا في وجود هذا المراد الذي تعلقت الإرادة به وبإيجاده فعلمت إن للأسباب أحكاما في المسببات فهي كالآلة للصانع فتضاف الصنعة والمصنوع للصانع لا للآلة وسببه أنه لا علم للآلة بما في نفس الصانع أن يصنع بها على التعيين بل لها العلم بأنها آلة لا صنع الذي تعطيه حقيقتها ولا عمل للصانع إلا بها فصنع الآلة ذاتي وما لجانب الصانع بها إرادي وهو قوله إذا أردناه أن نقول له كن وكن آلة للإيجاد فما أوجد إلا بها وكون تلك الكلمة ذاته أو أمرا زائدا علم آخر إنما المراد هو فهم هذا المعنى وإنه ما حصل الإيجاد بمجرد الإرادة دون القول ودون المريد والقائل فظهر حكم الأسباب في المسببات فلا يزيل حكمها إلا جاهل بوضعها وما تعطيه أعيانها ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ولهذا قال موسى وأشركه في أمري وقال اشدد به أزرى وهو أفصح مني لسانا فعلم ما قال وعلمنا نحن من هذا القول ما أشار إليه به ليفهم عنه صاحب عين الفهم فهذا معنى التعاون وهو في قوله واستعينوا بالله وإياك نستعين والله في عون العبد ما دام العبد في عون
(١٣٤)