ما منحه فيكون ذلك الشكر يجبر له ما نقص من العمل الذي لو عمله نتج له هذا الذي وهب له فهذا مسبب قد تقدم سببه بل عاد سببا لما كان ينبغي أن يكون مسببا عنه ويزيده الله لذلك الشكر فتحافى قلبه على الحد الذي ذكرناه وتؤخذ جميع الأعمال على ذاكم فهذا حد الميزان العقلي في الطريق واختلفنا فيما يستقل العقل بإدراكه إذا أخذه الولي من طريق الكشف والفتح هل يفتح له مع دليله أم لا فذهبنا نحن إلى أنه قد يفتح له فيه ولا يفتح له في دليله وقد ذقناه وذهب بعضهم منهم صاحبنا الشيخ الإمام أبو عبد الله الكتاني بمدينة فاس سمعته يقول لا بد أن يفتح له في الدليل من غير فكر ويرى ارتباطه بمدلوله فعلمت إن الله ما فتح عليه في مثل هذا العلم إلا على هذا الحد فقال أيضا ذوقه فإخباره أنه كذا رآه صحيح وحكمه أنه لا يكون إلا هكذا باطل فإن حكمه كان عن نظره لا عن كشفه فإنه ما أخبر عن الله أنه قال له هكذا أفعله وأن غير هذا الرجل من أهل هذا الشأن قد أدرك ما ذهبنا إليه ولم يعرف دليله العقلي فأخبر كل واحد بما رآه وصدق في إخباره وما يقع الخطاء قط في هذا الطريق من جهة الكشف ولكن يقع من جهة التفقه فيه فيما كشف إذا كان كشف حروف أو صور وأما الميزان الشرعي فهو إن الله إذا أعطاك علما من العلوم الإلهية لا من غيرها فإنا لا نعتبر الغير في هذا الميزان الخاص فننظر في الشرع إن كنا عالمين به وإلا سألنا المحدثين من علماء الشرائع لا نسأل أهل الرأي فنقول لهم هل رويتم عن أحد من الرسل أنه قال عن الله كذا وكذا فإن قالوا نعم فوازنه بما علمت وبما قيل لك واعلم أنك وارث ذلك النبي في تلك المسألة أو ينظر هل يدل عليها القرآن وهو قول الجنيد علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة فهو الميزان وليس يلزم في هذا الميزان عين المسألة أن تكون مذكورة في الكتاب أو السنة وإنما الذي يطلب عليه القوم أن يجمعهما أصل واحد في الشرع المنزل من كتاب أو سنة على أي لسان نبي كان من آدم ع إلى محمد ص فإن أمورا كثيرة نرد في الكشف على الأولياء وفي التعريف الإلهي لا تقبلها العقول وترمي بها فإذا قالها الرسول أو النبي ع قبلت إيمانا وتأويلا ولا تقبل من غيره وذلك لعدم الإنصاف فإن الأولياء إذا عملوا بما شرع لهم هبت عليهم من تلك الحضرة الإلهية نفحات جود إلهي كشف لهم من أعيان تلك الأمور الإلهية التي قبلت من الأنبياء ع ما شاء الله فإذا جاء بها هذا الولي كفر والذي يكفره يؤمن بها إذا جاء بها الرسول فما أعمى بصيرة هذا الشخص وأقل الأمور أن يقول له إن كان ما تقوله حق إنك خوطبت بهذا أو كشف لك فتأويله كذا وكذا إن كان ذلك من أهل التأويل وإن كان ظاهريا يقول له قد ورد في الخبر النبوي ما يشبه هذا فإن ذلك ليس هو من شرط النبوة ولا حجره الشارع لا في كتاب ولا سنة ومن هذا الباب في هذا المنزل يعلم الإنسان ميزانه من الحضرة الإلهية في قوله إن الله خلق آدم على صورته فقد أدخله الجود الإلهي في الميزان فيوازن بصورته حضرة موجدة ذاتا وصفة وفعلا ولا يلزم من الوزن الاشتراك في حقيقة الموزونين فإن الذي يوزن به الذهب المسكوك هو صنجة حديد فليس يشبهه في ذاته ولا صفته ولا عدده فيعلم أنه لا يوزن بالصورة الإنسانية إلا ما تطلبه الصورة بجميع ما تحوي عليه بالأسماء الإلهية التي توجهت على إيجاده وأظهرت آثارها فيه وكما لم تكن صنجة الحديد توازن الذهب في حد ولا حقيقة ولا صورة عين كذلك العبد وإن خلقه الله على صورته فلا يجتمع معه في حد ولا حقيقة إذ لا حد لذاته والإنسان محدود بحد ذاتي لا رسمي ولا لفظي وكل مخلوق على هذا الحد والإنسان أكمل المخلوقات وأجمعها من حيث نشأته ومرتبته فإذا وقفت على حقيقة هذا الميزان زال عنك ما توهمته في الصورة من أنه ذات وأنت ذات وإنك موصوف بالحي العالم وسائر الصفات وهو كذلك وتبين لك بهذا الميزان أن الصورة ليس المراد بها هذا ولهذا جمع في صورة واحدة خلق الإنسان ووضع الميزان وأمرك أن تقيمه من غير طغيان ولا خسران وما له إقامة إلا على حد ما ذكرت لك فإنه الله الخالق وأنت العبد المخلوق وكيف للصنعة أن تكون تعلم صانعها وإنما تطلب الصنعة من الصانع صورة علمه بها لا صورة ذاته وأنت صنعة خالقك فصورتك مطابقة لصورة علمه بك وهكذا كل مخلوق ولو لم يكن الأمر كذلك وكان يجمعكما حد وحقيقة كما يجمع زيدا وعمرا لكنت أنت إلها أو يكون هو مألوها حتى يجمعكما حد واحد والأمر على خلاف ذلك فاعلم بأي ميزان تزن نفسك مع ربك ولا تعجب بنفسك واعلم أنك صنجة حديد وزن
(٨)