وثانيا: أن ما يصلح للمنع عن بيع العين - مع فرض كونها مملوكة للبائع وتمامية سائر الجهات - هو كونها مورد حق شرعي مجعول للغير، وليس الحق إلا اعتبارا مخصوصا نظير اعتبار حق الرهانة وحق الخيار وشبههما، وهو يتوقف على دليل يتكفل لهذا الاعتبار، ومجرد تعلق غرض الواقف بالانتفاع بمثوبات وقفه - التي هي بمنزلة البدل للمنافع المسبلة - لا يكون حقا ولا مقتضيا شرعا لاعتبار حق في العين، وتفويت غرض الواقف ليس كتفويت الحق ليكون ثبوته شرعا منافيا لثبوت ما ينافيه، حتى يكون وقوع أحد المتنافيين شرعا مانعا عقلا عن وقوع منافيه.
وأما كونه غرضا عقديا للواقف، فإن تمليك جميع الطبقات إلى أن يرث الله الأرض مدلول إنشائي للواقف، وإبقاء العين مقصود له، وقوله (عليه السلام) (الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها) (1) يدل على مضي هذا المقصود في نظره، فنقض غرض الواقف بعد مضيه في نظر الشارع غير جائز.
ففيه: - على فرض صحته - أجنبي عن تعلق حق الواقف به، فإن مرجع الأمر إلى أن مقتضى الوقف عدم جواز بيعه بعد نفوذه شرعا، لا أن الواقف له حق في العين، وكون الامضاء لرعاية غرض الواقف كما يومئ إليه (الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها) (2) لا يقتضي اعتبار الحق زيادة على نفوذ الوقف، وإمضاء المعاملات جميعا يلازم لرعاية ما أنشأه أهلها ولا يوجب حقا لهم.
وأما كون العين مورد حقه (تبارك وتعالى) باعتبار أنه صدقة في سبيله تعالى وأنها لله تعالى، وأنها بهذا الاعتبار متعلق حقه بالخصوص، كالخمس الذي أضيف إليه تعالى وإلى رسوله بنسق واحد، فلا مانع من تعلق ملكه وحقه تعالى بالخصوص، زيادة على كونه تعالى مالك السماوات والأرضين.
فالجواب عنه: أن التقرب بالعمل لا يجعل العمل - فضلا عن العين التي تعلق بها العمل - ملكا له تعالى، فإن التقرب ليس تمليكا من المتقرب إلى المتقرب إليه، وإلا