لا يخفى عليك أن الصدقة تشترك مع الهبة في التمليك، وتمتاز عنها بكونها لله تعالى، والصدقة التي هي قسيم الوقف ومقابلا له تمتاز عنه بفصل عدمي، وهو عدم كونها بحيث لا تباع ولا توهب، كما أن الوقف المقابل لها متفصل بفصل وجودي، وهو كونه بحيث لا يباع ولا يوهب، فمطلق الصدقة بمنزلة الجنس، الذي بأحد الفصلين يصير وقفا وبالآخر صدقة خاصة، فالوصف المزبور ليس فصلا لنوع الصدقة كما هو ظاهر العبارة، بل فصل لنوع من الصدقة.
وبالجملة: بعد جعل الوصف مقوما لنوع من الصدقة، يكون هذا النوع الخاص وقفا، وأما أن حقيقة الوقف منحصرة في هذا النوع فلا دليل عليها، فلعله جنس له أنواع، منها الصدقة المتقومة بحيثية عدم الانتقال بيعا وهبة وإرثا، ومنها ما لا يكون كذلك.
مع أن جعل الوصف مقوما وفصلا لنوع الوقف - كما صرح بعنوان الفصلية (1) فيما بعد - مناف لما في كلامه (رحمه الله) فيما (2) بعد، من عدم كون المنع الانتقال مأخوذا في حقيقة الوقف، وأنه من أحكامه.
بخلاف ما إذا جعل الوصف وصفا خارجيا لازما للوقف، فيكون المتسبب إليه حصة من طبيعي التمليك الملزوم شرعا للمنع عن أنحاء الانتقالات، فإنه خال عن محذور التنافي بين كلماته (قدس سره)، ويصح الترديد بين كونه وصفا لازما لحقيقة الوقف شرعا أو كونه شرطا التزم به الواقف في ضمن عقد الوقف (3) والتصدق بماله على البطون، وعليه ينبغي حمل كلامه (زيد في علو مقامه).
ثم إن وجه الترديد بين كونه وصفا للنوع وكونه وصفا للشخص بنحو الاشتراط والالتزام به، أن حيثية عدم الانتقال يمكن أن تكون من مقومات الصدقة الخاصة، ومن لوازمها المخصوصة، ولا يمكن أن يكون مقوما لشخص الصدقة من دون التزام بها، لأنه إن لم تكن مقوما للنوع ولا لازما له لم يكن مقوما ولا لازما للفرد بما هو فرد