لا يخفى عليك أن ما أفاده (قدس سره) إلى هنا كان مسوقا لبيان قصور أدلة المنع، وبعبارة أخرى قصور جعل الشارع وجعل الواقف عن المنع عن البيع، وما أفاده (قدس سره) في هذه العبارة بيان لمقتضي الجواز بل اللزوم، ومنه يعلم أنه ليس متحصلا مما أفاده أولا.
وتحقيق الحال في هذه الشقوق المذكور: أن العين الموقوفة مال على الفرض وابقائه حتى يتلف في نفسه تضييع للمال، وكون هذا التضييع لأجل المنع عن البيع شرعا يوجب جواز هذا التضييع، لا أنه ليس بتضييع بل ضياع كما عن شيخنا الأستاذ في رسالة الوقف (1) فإنه تضييع تشريعا من الشارع، وتضييع تكوينا من الموقوف عليه، فيكون كالموارد التي حكم الشارع بجواز الاتلاف أو وجوبه كآلات اللهو أو إراقة الدم، فإن حكم الشارع بالجواز أو اللزوم لا يوجب خروج الموضوع عما هو عليه، غاية الأمر وقوع التعارض بين دليل المنع عن بيع الوقف ودليل حرمة التضييع بالعموم من وجه، فلا بد من موجب لتقديم دليل حرمة التضييع في مورد الاجتماع.
وأما دعوى: التساقط والرجوع إلى عموم دليل السلطنة، فيجوز البيع والابقاء إلى أن يتلف فمدفوعة: بأن دليل السلطنة على المال مخصص بما إذا لم يكن تضييعا، وليس التعارض بينهما بالعموم من وجه، بتوهم شمول دليل التضييع لإضاعة مال الغير، فإن اتلاف مال الغير حرام من حيث كونه تصرفا في ملك الغير، لا من حيث إنه إضاعة المال بما هو مال، وبالجملة لا شبهة في عدم السلطنة شرعا على تضييع المال، فلا يكون عموم دليل السلطنة مرجعا.
وأما مسألة كون الابقاء منافيا لحقوق الله تعالى والواقف والبطون اللاحقة فقد مر (2) الكلام في أصل ثبوت تلك الحقوق، وأنه لا أصل لها، مع أنه في الحقيقة ليس رعاية للحقوق الثابتة بالإضافة إلى العين الموقوفة، بل إعدام لموضوعها وإيجاد لموضوع آخر يتعلق به الحقوق، فيحتاج إلى دليل مجوز للاعدام وموجب للايجاد إلا بالتقريب المتقدم الذي لا يدور مدار الالتزام بالحقوق.