ويفارق قولهم أبطل حجته لأنه إذا قعد عن حجته فإنما أخرها وما أبطلها لغرض له، فوجب أن لا يبطل عنه جملة، ألا ترى أنه لو ادعى حقا وله به بينة فاستحلف المدعى عليه فحلف كان له إقامة البينة وإثبات الحق عندهم وإن كان قد أخرها وقعد عنها.
فأما صفة الدعوى وبماذا تكون معلومة؟ فالدعوى يتحرر بثلاثة أشياء: بأن يسأل عن القاتل، ونوع القتل، وصفة القتل، فالقاتل يقال وحده أو معه غيره، و النوع أن يقال عمدا أو خطأ أو عمد الخطأ، فإن أنواعه يختلف فإذا قال عمدا قيل صف العمد، فإذا قال ضربه بما يقتل غالبا قاصدا إلى قتله فقد تحررت الدعوى.
وإنما اعتبرنا هذا التفصيل لأنه لو لم يفصل لم يمكن الحكم لأنه لا يدري بماذا يحكم، ولأن الحكم يختلف باختلاف عدد القاتلين وبأنواع القتل عمدا أو خطأ أو عمد الخطأ، ويختلف عنده المحض، فإنه قد يعتقد العمد المحض عمد الخطأ ولا يدري فلهذا قلنا لا يتحرر إلا بهذا التفصيل.
فإذا ثبت هذا نظرت فإن قال قتله وحده عمدا، ووصف عمدا يوجب القود، حلف المدعي مع اللوث خمسين يمينا، فإذا حلف ثبت عندنا به القود، وعند قوم يثبت الدية دون القود.
وأما إن قتله ومعه غيره ففيه أربع مسائل: أحدها قال قتله وآخران عمدا، أو قتله عمدا وآخران خطأ، أو قتله عمدا وآخران لا أعرف صفة قتلهما، أو قتله و عدد لا أعلم مبلغه.
فإن قال قتله وآخران معه عمدا محضا ووصف عمدا يوجب القود، فإن كانوا حضورا سئلوا، فإن اعترفوا بذلك قتلوا وإن حضر واحد وغاب الآخران حلف خمسين يمينا، لأنه لو حضر الكل لزم الكل خمسون يمينا فكذلك إذا حضر واحد، ولأن القسامة لا تفتتح بأقل من خمسين يمينا، فإذا حلف، فهل يقتل هذا الحاضر أم لا؟
عند قوم يقتل وعند آخرين لا يقتل، والأول أقوى عندنا.
فإذا حضر الثاني سألناه، فإن اعترف بذلك قتل، وإن أنكر حلف الولي، وهل يحلف