فقد استقر الضمان عليه، ووليه بالخيار بين القصاص والدية، وإن مات قبل الإياس من عودها فلا قصاص لأن الحدود تدرأ بالشبهات، والشبهة أنا لا نعلم عودها.
وأما الدية قال قوم لا دية، لأنا لا نعلم أنه أعدم إنباتها كما لو نتف شعره، ثم مات قبل أن يعود الشعر، وقال آخرون: عليه الدية لأن القلع متحقق والعود متوهم، فلا يسقط حقه بأمر متوهم وهو الأقوى.
وأما إن قلع سن مثغر نظرت، فإن قال أهل الخبرة هذه لا تعود أبدا فالمجني عليه بالخيار بين القصاص والعفو، وإن قالوا لا يرجى عودها إلى كذا وكذا، فإن عادت وإلا فلا تعود، لم يكن للمجني عليه قصاص ولا دية كما قلنا في سن غير المثغر.
ثم ينظر فيه، فإن لم تعد إلى ذلك الوقت كان المجني عليه بالخيار بين القصاص أو الدية، وأما إن عادت هذه السن نظرت، فإن عادت قبل الإياس من عودها فهي كسن غير المثغر وقد مضى، وإن عادت بعد الإياس من عودها إما بعد المدة المحدودة أو قبل المدة وقد قالوا أنها لا تعود أبدا، فهل هذه العايدة هي الأولى أو هبة مجددة من عند الله؟
قال قوم هي تلك المقلوعة كما قلنا في سن غير المثغر أو إذا لطمه أو جنى على رأسه فذهب ضوء عينيه ثم عاد: إن هذا هو الأول.
وقال آخرون هذه هبة مجددة من عند الله تعالى، لأن العادة ما جرت بعود سن المثغر بعد قلعها، والإياس من عودها، فإذا عادت علمنا أنه هبة مجددة من عند الله ويفارق الذي لم يثغر، لأن العادة قد جرت بالعود، ويفارق ضوء العين لأن الضوء لا يعود بعد ذهابه، وإنما يحول دونه حائل فإذا زال الحائل أبصر بالضوء الأول لا بضوء مجدد.
فإذا تقرر ذلك لم يخل المجني عليه من أحد أمرين: إما أن يكون أخذ القصاص من الجاني أو الدية، فإن كان أخذ الدية، فمن قال إن عودها هبة مجددة، قال لا يرد شيئا لأنه أخذ دية سنه، وقد وهب الله له سنا آخر، ومن قال هذه تلك